كل الكلام الديبلوماسي القادم مع وفود دولية من وراء البحار، عن التهدئة على الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، يبقى مجرد نظريات وتمنيات، طالما بقيت آوار المعارك في غزة مشتعلة، في أبشع حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
فريق نتانياهو اليميني المتطرف لا يريد وقف إطلاق النار في القطاع المدمر، ويحاول نقل نيران الحرب إلى لبنان، لينفخ عضلات حكومته أمام الداخل الإسرائيلي، بعد تصاعد المطالبة الشعبية والسياسية برحيل الحكومة ورئيسها، إثر الفشل الذريع للحملة البرية في غزة، رغم حجم الدمار الممنهج لنواحي الحياة، بشراً وحجراً، وتحويل المدن والأحياء إلى تلال من الأنقاض، لبيوت وأبنية قُصفت بوحشية فوق رؤوس أصحابها، وطمرت تحتها المئات من جثث الضحايا، معظمهم من النساء والاطفال.
وجاء رفض نتانياهو المشاركة في الجولة الثانية لقمة باريس الرباعية التي تعقد في القاهرة، وتضم رؤساء المخابرات الأميركية والمصرية والإسرائيلية ورئيس حكومة قطر، ليؤكد إصرار الفريق المتطرف في تل أبيب على متابعة الحرب، دفاعاً عن بقاء حكومتهم، التي ستواجه حتمية السقوط، بمجرد إعلان وقف النار في غزة، وفتح ملفات المساءلة والمحاسبة لرئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية، على التقصير الفادح يوم ٧ تشرين / أكتوبر، والفشل في تحقيق «النصر المطلق» الذي تحدث عنه نتانياهو في الأيام الأولى للحرب، واعداً بتحرير الأسرى الإسرائيليين، والقضاء على قادة حماس وبنيتها العسكرية.
العناد الإسرائيلي على التصعيد في الجنوب اللبناني، يتطلب من الحكومة اللبنانية التعاطي مع التهديدات الاسرائيلية اليومية، على مستوى الأخطار المحدقة بالبلد، واستنفار علاقات لبنان العربية والدولية، لردع جماعة الحرب في تل أبيب عن إرتكاب حماقة عسكرية جديدة ضد لبنان، قد تتطور إلى حرب إقليمية تخرج عن ضوابط الإطار الحالي لحرب غزة، وتتسبب بدمار واسع في البلدين، لأن أي إعتداء إسرائيلي على لبنان لن يكون مجرد عربدة جوية، لضرب الأهداف الإستراتيجية، ومواقع البنية التحتية اللبنانية.
وتطويق هستيريا الحرب المهيمنة على حكومة نتانياهو، ليس مهمة لبنانية، بقدر ما هي مسؤولية دولية بشكل عام، وأميركية بشكل خاص، لأن المساعدات الأميركية المتدفقة على تل أبيب، والفيتو الاميركي في مجلس الأمن، يبقيان في صلب عدة الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي الجنوب اللبناني.
عبارات الإنتقاد الناعمة الصادرة عن بعض المسؤولين في واشنطن لم تعد تكفي لردع إندفاعة المتطرفين في تل أبيب، كما هو الحال مع عواصم القرار الدولي، التي لا بد من تحركها قبل وقوع مجازر رفح في جنوب غزة، وقبل إنفجار الحرب الطاحنة في الجنوب اللبناني.
لمن ستكون الغلبة: للعناد الصهيوني أم للقرارات الدولية الرادعة؟
صلاح سلام – اللواء