لم يعد المسؤولون في الاتحاد الأوروبي على المستويين الوزاري والبرلماني في حاجة الى معرفة الداء السياسي الذي يعانيه اللبنانيون والذي يبدأ من عدم قدرتهم على انتخاب رئيس للجمهورية ولا وضعهم الأسس لتطبيق الإصلاحات المطلوبة. ويقول الأوروبيون وغيرهم من الغربيين والدول العربية الصديقة إن دولهم لن تقدم أي مساعدات مالية أو تنفيذ أي مشاريع قبل إرساء هذه الإصلاحات والتوصل الى خلاصة واضحة مع صندوق النقد الدولي. ولا يغطي هؤلاء كلامهم هذا بأي قفازات ديبلوماسية. وسمع ذلك الوفد النيابي الذي زار بروكسيل في الاسبوع الفائت برئاسة النائب فادي علامة وضم النواب سليم الصايغ وسيمون أبي رميا والياس الخوري وعادوا بحصيلة أكثر من 10 لقاءات مع مسؤولين وبرلمانيين أوروبيين يتولون مهمات في إدارة الأزمات والشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان في بلدانهم الى شخصيات في وزارة الخارجية البلجيكية فضلاً عن نواب فرنسيين يدورون في فلك الرئيس إيمانويل ماكرون يجمعون على أنهم لن يتركوا لبنان وستستمر دوائرهم في دعمه والحفاظ على استقراره الامني شرط أن تتلاقى قواه السياسية وكتله النيابية على رؤية مشتركة في الملفين السياسي والمالي.
وسيطر عنوانان على اجتماعات الوفد النيابي مع أعضاء ناشطين في اللجان النيابية الخارجية المشتركة التي تمثل أكثر من برلمان أوروبي: متابعة الأوضاع في الجنوب والتحذير من أخطارها على ضوء العدوان الإسرائيلي المفتوح في غزة. واحتل ملف إقدام أكثر من دولة على وقف تمويلها لوكالة “الأونروا” الأولوية وحضر القرار 1701 في صلب الاجتماعات في بروكسيل حيث كان هناك تشديد من الوفد ولو أنه يمثل أربع كتل نيابية على أن لبنان يلتزم بهذا القرار ولا ينفك يطبّق مندرجاته. ولاقى هذا الموقف ترحيباً من الأعضاء في البرلمان الأوروبي حيث ركز بعضهم على مسار سريان الأمور على الحدود بين لبنان وإسرائيل وتلقوا الرد بأن لبنان ملتزم بمضمون القرار ومع استمرار التنسيق والتعاون القائم والمشترك بين الجيش و”اليونيفيل” وأن تل أبيب في النهاية هي التي تقدم على خرق القرار الأممي آلاف المرات منذ ولادته عام 2006 الى اليوم وهي المسؤولة عن سيل كبير من الخروقات المتراكمة. ولبنان في النهاية يرفض كل هذا الكم من الاعتداءات المفتوحة على مدار سنوات طويلة ولا يعارض في الوقت نفسه تثبيت النقاط البرية المتنازع عليها وهي ملك للبنان بدءاً من نقطة الـb1 في رأس الناقورة. وإذا أدت الاتصالات والجهود الديبلوماسية بعد وقف إطلاق النار من جانب الإسرائيليين فلا توجد أي جهة لبنانية تعارض استعادة مزارع شبعا المحتلة. وتفهّم أكثر من نائب أوروبي هواجس لبنان من الأخطار الإسرائيلية تأكيدهم ضرورة تطبيق الاستقرار في الجنوب ولو أن بعضهم لم يتقبل عملية “حماس” في مستوطنات غزة مع عدم تبريرهم الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. ولم تخلُ الأسئلة الأوروبية عن دور “حزب الله” فتلقوا الرد من طرف علامة بأن عناصر الحزب الذين يشكلون بنيانه هم من بيئة أبناء الجنوب ومناطق لبنانية أخرى ولا يمكن فصلهم أو استبعادهم عن نسيجهم الاجتماعي وأنهم لن يتأخروا في الدفاع عن أراضيهم والتصدّي للاعتداءات الإسرائيلية وإجرامها وعدم تمييزها بين مقاوم ومدني وأن هدفها الأساسي يبقى ضرب مناعة لبنان.
ويخلص البرلمانيون الأوروبيون في معرض اجتماعاتهم مع الوفد الى أنهم لن يتركوا لبنان في المحافل الدولية وأن انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف حكومة جديدة يشكلان مفتاح الحل لمساعدة لبنان على أكثر من مستوى شرط أن يتعهد بجملة من الإصلاحات وعدم العودة الى مشاريع الهدر ونهب المال العام حيث يربطون تطبيق كل هذه الشروط قبل الإقدام على أي خطوة تؤدي الى تمتين المؤسسات وإطلاق عجلتها.
ولم يغب موضوع “الأونروا” عن بساط الاجتماعات حيث إن لبنان يعاني بدوره من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أرضهم فضلاً عن السوريين مع تأكيد لبناني نيابي جامع بعدم قبول الآخرين على أراضيه الى ما لا نهاية من جراء انعكاس هذا الأمر وأخطار تداعياته الوجودية على مستوى التركيبة اللبنانية وأن على المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي قبل غيره تحمّل مسؤولية ملف النزوح السوري وعدم قدرة لبنان على تحمل كل هذه الأعباء. وسمع الوفد من نواب أن حكوماتهم تتعاطى مع “الأونروا” بمنظار واحد ولا تميّز بين أي مجموعة فلسطينية لاجئة سواء كانت في لبنان أو غيره من بلدان المنطقة، وأن الحكومات التي ما زالت مستمرة في رفد الوكالة بالمال ستضاعف الأرقام التي تقدمها لسد النقص الحاصل من جراء امتناع دول كبرى عن تقديم هذه المساعدات وفي مقدمها أميركا وعدد من البلدان الأوروبية.
وإن كان النواب في ساحة النجمة لا يلتقون على أكثر من ملف وأخطرها انتخابات الرئاسة حيث تستمر الخلافات، فإنهم يلتقون في المحافل الخارجية وفي الاتحاد الأوروبي والعواصم الغربية وهذا ما عمل عليه أعضاء الوفد النيابي في بروكسل. وتكرر الكلام نفسه أمس على مسمع زملاء لهم في زيارتهم الحالية للندن لنواب بريطانيين ووزير الدولة الشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد الذي أكد أن بلاده مع تشديدها على وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب هذا الامر على الجنوب هي على استعداد لدعم لبنان مالياً وتحصين اقتصاده واستمرار المملكة المتحدة في تقديم الدعم للجيش اللبناني والعمل على ضرورة تثبيت مندرجات 1701 على الحدود مع إسرائيل.
من المهم ان تساعد الدول لبنان لكن ما النفع إن لم يساعد أهله أنفسهم. ومن الأرجح البقاء على هذه الدوامة من الفشل والخسائر المفتوحة إذا لم تقرّب المسافات بين الكتل النيابية وتُغلّب المصلحة الوطنية التي يتمثل مفتاحها بانتخاب رئيس الجمهورية أولاً.
رضوان عقيل – النهار