كل المؤشرات حيال الجبهة الجنوبية والحرب الاسرائيلية على قطاع غزة تدل إلى أنّ هاتين الجبهتين قد تكونان مقبلتين على تطورات دراماتكية بعد شهر رمضان ان لم يكن قبله، وهو الذي سيحلّ بعد أسبوعين قريباً، وذلك في حال لم تنجح المحاولات الجارية لوقف النار في غزة والذي يترجم تلقائياً وقفاً للنار على الجبهة الجنوبية اللبناية التي يعمل على إيجاد حل لها هي الاخرى من خلال طرح تنفيذ القرار 1701 وتثبيت الحدود البرية في إطار المهمة التي يضطلع بها الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين بحسب الجمهورية.
يقول مطلعون على الموقف الأميركي للجمهورية ان الولايات المتحدة الأميركية، التي ما تزال تعلن أن وقف اطلاق النار في غزة لم يحن اوانه بعد مانِحةً إسرائيل مزيداً من الوقت لتحقيق أهدافها من الحرب هناك، أبلغت إلى لبنان عبر أقنية عدة أنها لا تريد للمواجهات الدائرة على الجبهة الجنوبية ان تتوسع الى حرب على لبنان، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تمنع هذه الحرب ان قررت اسرائيل خوضها في اي وقت. بل انّ المصدر نفسه يضيف في هذا السياق أن الولايات المتحدة لا تؤيد أن يخوض الاسرائيليون حربين في وقت واحد، وهي كانت قد نَبّهتهم وحذّرتهم من هذا الامر وأبلغتهم انها قادرة على دعمهم في حرب واحدة، وهكذا فعلت عندما دعمتهم في شن الحرب على حماس في قطاع غزة غداة عملية طوفان الأقصى، وزَوّدتهم بكل ما طلبوا من اسلحة واعتدة وذخائر عبر جسرَين جوي وبحري أقامتهما لهذه الغاية.
ويقول المصدر ان كل هذا يستنتج منه أن إسرائيل إذا فرغت من حرب غزة ستنبري فوراُ الى شن حرب على لبنان مُتّكلة على الدعم الأميركي نفسه.
وهنا يعود بعض السياسيين بالذاكرة إلى الأيام الأولى لحرب غزة عندما انكشف وجود مخطط إسرائيلي لشن حربَين، واحدة على حركة «حماس» وأخواتها في قطاع غزة والثانية على «حزب الله» في لبنان، وذلك لما يشكّلانه من تهديد آني ومرحلي واستراتيجي لمخططها الهادف الى اقامة الدولة اليهودية الخالصة، بحيث إذا نجحت في ابادة الفلسطينيين في قطاع غزة وهجّرت الذين يَنجون منهم من الموت إلى صحراء سيناء المصرية، وكذلك قامت بتهجير فلسطينيي الجليل في حال الانتهاء من تهديد «حزب الله» في الشمال في اتجاه لبنان، عندها تتفرّغ لفلسطينيي الضفة الغربية بتهجيرهم الى الاردن ليكون وطنا بديلا لهم. وهي تمهّد لهذا الأمر منذ إقامتها المستوطنات في الضفة، والتي يقطنها حتى الآن 800 يهودي اسرائيلي. وما تقوم به يومياً من اعتداءات وحصار وقتل واعتقال في حق هؤلاء منذ عملية طوفان الاقصى يدلّ الى نواياها التهجيرية ضدهم، وهذا الامر يتعارض مع مشروع «حل الدولتين» الذي يقضي بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على ان يربط بينهما ممر برّي آمن.
ويقول هؤلاء السياسيون انّ الإسرائيليين اغتنموا عملية طوفان الأقصى لخدمة مشروعهم الحربي المرسوم ضد غزة شَرّ اغتنام، بحيث هجم الجيش الإسرائيلي بعسكره وطيرانه الحربي والمروحي على قتل نحو 1400 إسرائيلي في غلاف غزة في يوم «طوفان الأقصى»، وكَوّن من ذلك الذريعة التي بَرّر بها شن الحرب التدميرية على قطاع غزة تمهيداً لتهجير من يتبقّى من الفلسطينيين فيه إلى سيناء. وقد دلّ إلى هذا التصَرّف دعوات الجيش الاسرائيلي وضغوط على سكان القطاع منذ الأيام الأولى للحرب الى النزوح من شماله إلى جنوبه، وها هم اليوم محاصرون في رفح التي نزحوا إليها على انها ستكون منطقة آمنة، ويتعرضون لتهديد يومي باقتحام اماكن نزوحهم لدفعهم إلى النزوح الى سيناء المصرية في ظل موقف مصري سياسي عسكري مُلتبِس ويغلب عليه طابع القبول بهذا النزوح، حتى لو كان خِلافاً لمعاهدة كمب ديفيد المعقودة بين القاهرة وتل ابيب منذ عام 1981.
لذلك، يقول المطلعون انّ حركة الموفدين الدوليين في اتجاه لبنان إذا لم تحقّق نتائج ملموسة في الأيام الفاصلة عن بداية شهر رمضان، فإنّها ستتراجع الى حدود الجمود على الارجح. بمعنى أنّ هوكشتاين ولودريان إذا لم يزورا لبنان من الآن وحتى العاشر من آذار المقبل، فإنّ زيارتيهما ستتأجلان إلى ما بعد رمضان. علماً ان لا شيء يمنع من توسّع الحرب على الجبهة الجنوبية أو يمنع إسرائيل من تنفيذ تهديدها باجتياح رفح للإطباق كلياً على قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، في حين انّ ما يجري على الأرض يدل إلى أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يسيطر حتى الآن على أيّ من مناطق القطاع، بدليل المعارك التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضده من شمالي القطاع في جباليا وبيت لاهيا وغيرها إلى جنوبه في خان يونس ورفح.
ولذلك، فإنّ كل الدلائل تشير إلى أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين سِلماً او حرباً، سواء على جبهة غزة او جبهة جنوب لبنان. ويقول البعض في هذا السياق انّ إسرائيل التي تَدّعي أنها انتصرت أو أوشكت على تحقيق الانتصار الذي تطمح إليه في غزة، إنما تريد من الهجوم على رفح، اذا حصل، الهروب إلى الأمام من الهزيمة التي لحقت بها ولم تعترف بها بعد. كذلك، فإنّ تهديدها بشن حرب واسعة على لبنان و»حزب الله» يندرج أيضاً في إطار سعيها للهروب من الاعتراف بالهزيمة في قطاع غزة.
ويؤكد هؤلاء أنّ إسرائيل بقصفها المُتنقّل للبنان خارج منطقة قواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار 1701، إنما تحاول استدراج المقاومة إلى رَد فعل كبير لتتخذه ذريعة لتوسيع نطاق الحرب، لكنّ «حزب الله» كان ولا يزال يرد على هذا القصف ضمن قواعد الاشتباك مُتجنّباً الذهاب إلى حرب واسعة، إلّا أنه في الوقت نفسه يحسّن في ردوده نوعية الأهداف التي يقصفها وكذلك نوعية الأسلحة التي يستخدمها، حتى إذا اضطر للذهاب إلى الحرب الواسعة فإنه سيذهب إليها بتوقيته هو وليس بالتوقيت الذي تريده إسرائيل، بحيث يضمن لنفسه عنصر المفاجأة في هذه الحرب، التي إذا نشبت، فإنها ستكون كما قال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أخيراً «بِلا سقوف ولا ضوابط».