قبل أن يوضع ملف رئاسة الجمهورية في لبنان على “الرف” منأثرا بعملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان على غزة ومن مواجهات في الجنوب، كانت اللجنة الخماسية تعمل على تقييم الدور الفرنسي الذي كلفتها به من خلال موفدها جان إيف لودريان.
آنذاك عبّر مشاركون في اللجنة عن إمتعاضهم من عدم قدرة لودريان على إحداث أي خرق واتهموا فرنسا بالمماطلة، وأعطوها مهلة لإنجاز الملف الرئاسي اللبناني وإذا لم تنجح في ذلك فإن مهمة لودريان ستنتقل الى قطر التي لم تتوقف عن إرسال الموفدين لإجراء وساطات وإستطلاعات لآراء الكتل النيابية ومحاولة تقريب وجهات النظر وذلك بدعم أميركي كامل.
شهدت اللجنة الخماسية حينذاك تنافسا فرنسيا – قطريا، أدى الى إنقسام واضح فيها ما أضعف حضورها في ظل الانقسام اللبناني العمودي الذي لم تجد اللجنة أي علاج له.
مع إستئناف اللجنة لعملها قبل نحو شهر وتكليف سفراء الدول الخمس في لبنان القيام بسلسلة إجتماعات لتوحيد الرؤى ووضع خارطة طريق تؤدي الى تذليل العقبات من أمام الاستحقاق الرئاسي، لم يستطع السفراء بالرغم من كل محاولات “التجميل” والتسريبات الاعلامية عن إنسجامهم وتوافقهم، من تغيير الواقع الذي يسيطر على اللجنة المنقسمة على نفسها.
تشير المعلومات الى أن اللجنة تتشكل اليوم من محورين، الأول فرنسي – سعودي، والثاني أميركي – قطري، خصوصا بعد الحماس الذي أبدته السعودية في تفعيل عمل اللجنة وترجم بتحركات لسفيرها في لبنان وليد البخاري باتجاه المسؤولين اللبنانيين، وعودة أميركا لتأخذ دورها بعدما كانت تراجعت عنه لفترة لمصلحة فرنسا.
الخلاف بين اللجنة الخماسية مرده الى نظرة كل من أعضائها للملف اللبناني، حيث تتطلع الولايات المتحدة الأميركية الى أن يكون ضمن سلة متكاملة في المنطقة خصوصا أنها تخوض مفاوضات عدة وتريد أن يكون الملف اللبناني ورقة بيدها يمكن أن تناور فيها على أن تكون الكلمة النهائية فيه لها. في حين تسعى فرنسا ومعها السعودية الى فصل ملف لبنان عن أزمة المنطقة، خصوصا مع الجهود الفرنسية لتطبيق القرار ١٧٠١ ووقف التصعيد في الجنوب من ضمن الورقة التي اعدتها في هذا الاطار وتدرسها الدوائر اللبنانية المعنية تمهيدا للرد عليها.
كما يشكل الحضور السعودي المتنامي “نقزة” لأميركا التي تسعى الى قيادة اللجنة، وقد ترجم ذلك في التباينات الواضحة بين السفيرين البخاري وجونسون التي اعترضت بشدة على إستقبال البخاري السفراء في الخيمة الملحقة بدارته وجلوسهم ضمن “القعدة العربية” على الأرض.
كذلك، فقد إنعكس التنافس الأميركي الفرنسي على مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي كان يُفترض أن يُعقد في باريس في ٢٧ شباط الجاري بدعوة من فرنسا التي كانت تسعى الى أن يكون المؤتمر جامعا وان ينتج منه جمع مبلغ مالي كبير لدعم الجيش وتطويع الآلاف من الأفراد ليتمكن من القيام بالمهام الموكلة اليه في الجنوب في حال تم التوافق على تطبيق كل مندرجات القرار ١٧٠١ من قبل إسرائيل أولًا ومن ثم لبنان.
تشير المعلومات الى أن أميركا إعتبرت أن الخطوة الفرنسية تشكل تجاوزا لجهودها، خصوصا أنها منذ فترة طويلة تتبنى دعم الجيش بالعتاد والآليات والاسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما دفعها الى البدء بوضع العصي في الدواليب من خلال التفتيش عن تفاصيل التفاصيل حول المساعدات التي يمكن أن تقدم، الأمر الذي دفع فرنسا الى تأجيل المؤتمر خشية أن تمارس أميركا نفوذها على الدول المدعوة اليه ما قد يؤدي الى فشله.
تشير مصادر سياسية مواكبة الى أن كل مساحيق التجميل لا يمكن لها ان تغطي عيوب خلافات اللجنة الخماسية التي يبدو أن الجهود المبذولة من قبلها لن تصل الى نتائج إيجابية خصوصا أن الانقسامات اللبنانية تتعمق فيما اللجنة تضيّع وقتها بالشعارات، تارة بعدم وجود مرشح لها وتارة أخرى بعدم فرضها أسماء وطورا بالمواصفات التي ستسارع التيارات السياسية الى إسقاطها على مرشحيها.
وتؤكد هذه المصادر أن اللجنة الخماسية باتت تحتاج الى لجنة لحل خلافاتها قبل أن تحل الخلافات اللبنانية وصولا الى إنتخاب الرئيس العتيد الذي يبدو أن الكشف عن إسمه يحتاج الى إتمام التسوية المنتظرة في المنطقة.
غسان ريفي – سفير الشمال