وساطتان تعملان على تذليل العَقَد على مسار تأليف الحكومة، الأولى يقودها البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي زاره الرئيس المكلّف سعد الحريري، موضحاً وشاكياً مطالب رئيس الجمهورية ميشال عون، فزار الراعي بعبدا متوسطاً، وداعياً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لموافاته إلى بكركي، لدفع التأليف قدماً وحصر التباينات، مؤكّداً في عظته أمس، أنّه «لم يجد سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً». والوساطة الثانية يقودها «حزب الله» على خط بعبدا- «بيت الوسط»، في محاولة أيضاً لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، وصولاً إلى إصدار مراسيم التأليف. ووساطة الحزب تعني أنّه راضٍ عن حصته الحكومية، وانّ المشكلة الوحيدة او شبه الوحيدة، هي بين عون والحريري واستطراداً باسيل، واي وساطة يقودها الحزب يعني انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على خطها، في اعتباره كان من أكثر المتحمسين لعودة الحريري.
والخلاصة المشتركة من الوساطتين، انّ العقدة القائمة محلية لا خارجية، وتكمن في اختلاف المقاربة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، ولكن ان تكون العقدة محلية، لا يعني انّ حلّها ممكناً وسهلًا، خصوصاً انّ عون يتمسك بحقه تسمية معظم الوزراء المسيحيين، وان يكون له كلمة في كل مكونات الحكومة، وان يحظى فريقه بوزارات أساسية، فيما الحريري يرفض ان يحتكر رئيس الجمهورية تسمية الوزراء المسيحيين.
وكان اللافت للاوساط السياسية، انتقاد الراعي «الثلث المعطِّل»، الذي قيل انّه يشكّل شرطاً أساسياً لعون، فيما سرت أجواء انّ رئيس الجمهورية على استعداد لاستبدال «الثلث المعطل» او مقايضته بالوزارات الأمنية، الداخلية والدفاع والعدل، وقيل انّ الحريري رفض هذه المقايضة التي تجعل رئيس الجمهورية ممسكاً ليس فقط بالواقع الأمني، إنما القضائي أيضاً، وفي مرحلة فُتحت فيها الملفات يميناً ويساراً، وأثارت ما أثارته من خلافات وتشنجات وسخونة سياسية، وبالتالي لن يتساهل في الحقائب الأمنية، فضلاً عن انّه عندما طُرحت المداورة التي تقضي بجعل وزارة الداخلية من حصّة رئيس الجمهورية، ووجهت باعتراض سنّي لافت.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى اي حدّ يمكن ان يشكّل دخول بكركي و»حزب الله» على خط تأليف الحكومة تعويضاً عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أُلغيت بسبب إصابته بداء كورونا، وكان يعوّل عليها بأن تشكّل خرقاً في الاستحقاق الحكومي قبل نهاية هذه السنة؟ وهل ستنجح بكركي و»حزب الله» حيث فشلت باريس؟ وهل هذا النجاح يمكن ان يعيد فتح الخطوط بين بكركي و»حزب الله»؟ وهل سنكون أمام حكومة قبل نهاية السنة، اي خلال الايام العشرة المقبلة، ام انّ سعي الطرفين سينضمّ إلى سعي باريس بعدم القدرة على إخراج الحكومة من العناية الفائقة؟
وفي هذا الوقت، تتجّه الأنظار إلى الجلسة التشريعية اليوم، التي تلتئم وعلى جدول أعمالها 68 بنداً، وحيث يرجح إقرار الضروري من هذا الجدول وترحيل البنود الأخرى إلى اللجان لمزيد من الدرس، فيما يبقى المسار القضائي المتصل بانفجار المرفأ معلقاً، بانتظار ان يبت قرار كف يد القاضي فادي صوان ام استمراره في عمله.
ضاقت رقعة الخلاف
وفي الوقت الذي اعتقد البعض، انّ لقاءات بكركي فجّرت النزاع مجدداً بين عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من جهة والحريري من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، عن لقاء سيُعقد غداً بين عون والحريري، بعدما ادّت اللقاءات في بكركي و»بيت الوسط» الى فتح نافذة في جدار العلاقات المجمّدة بين طرفين، هما معنيان بتأليف الحكومة العتيدة.
ولفتت المصادر، الى انّ رقعة الخلافات ضاقت، نتيجة ما جرى تبادله من افكار تشكّل مخارج لأزمة التأليف، بطريقة وصفها البطريرك الراعي بعبارات دقيقة عندما قال أمس في عظة الاحد، انّ «في المساعي الشخصية التي قمت بها في الأيام الأربعة الأخيرة لم ألمس سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً، ولكنني وجدت لدى الناس ألف سبب يستوجب التأليف».
واشارت المصادر، الى انّ البحث في اللقاء بين عون والحريري غداً سيُستأنف من حيث انتهى اللقاء الثاني عشر بينهما، وما ابداه عون من ملاحظات حول عملية التأليف، من دون المسّ بالمعادلة التي ارستها التشكيلة الحريرية على قاعدة الـ 6× 6×6، بحيث لا يكون الثلث المعطل لأي من القوى الاساسية الممثلة في الحكومة. وعليه يمكن ان يتركّز البحث في تبديل حقيبتين وزاريتين او ثلاث على الأكثر، لجهة اعادة النظر في الأسماء المقترحة لها، وهي بالتحديد حقيبتا وزارتي العدل والداخلية او اي منهما يمكن ان تشكّل حلاً للعقدة القائمة.
وعلمت «الجمهورية»، انّ البحث لم يعد يتناول حقيبة وزارة الطاقة، التي ستُسند الى جو الصدّي، ووزارة المال ليوسف خليل، والصحة للدكتور فراس ابيض. فالرئيس نبيه بري بارك الاسماء الشيعية المطروحة، وكذلك بالنسبة الى «حزب الله» الذي ستكون في عهدته حقيبة وزارة الاشغال العامة وفق التوزيعة النهائية، وحقيبة اخرى لم يُكشف عنها.
في بكركي وبعبدا
وفي آخر الاتصالات التي سُجّلت امس، التقى البطريرك الراعي مساء امس الوزير السابق سجعان قزي، الذي اطلعه على ما دار في اللقاء الذي جمعه مساء السبت مع الحريري ومستشاره النائب السابق غطاس خوري، في وقت انتقل النائب ابراهيم كنعان عصر أمس الى بعبدا، ونقل الى عون حصيلة لقائه مع البطريرك والاقتراحات المتداولة في الملف الحكومي.
حلحلة لا حل
الى ذلك، أبلغت اوساط مطلعة الى «الجمهورية»، انّ هناك حلحلة وليس حلاً في الملف الحكومي، مستبعدة ان يتمّ تشكيل الحكومة قبل نهاية السنة الحالية. وبالتالي، فإنّ هذا الملف سيُرحّل الى مطلع السنة الجديدة. واشارت الى انّ رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» ابديا أخيراً استعداداً للتخلّي عن «الثلث المعطل»، كمبادرة حسن نية، لكن ذلك لا يعني أنّ كل العَِقد عولجت، إذ أنّهما يريدان التعويض في مكان آخر، ورئيس الجمهورية يتحصن خلف توقيعه الإلزامي لضمان شراكته الكاملة في التشكيلة الحكومية.
وكشفت هذه الاوساط، أنّ من بين العِقَد، طريقة مقاربة الرئيس المكلّف لأسماء الوزراء المسيحيين، على حساب دور رئيس الجمهورية، الأمر الذي يتطلب منه ابداء مرونة ايضاً.
وفي سياق متصل، أكّد قريبون من «حزب الله»، انّ الحريري أبلغ إلى من يهمهم الأمر، أن ليست هناك من ضغوط اميركية عليه لإقصاء اي تمثيل للحزب، ولو غير مباشر، عن الحكومة، وبالتالي فإنّ المشكلة ليست معه بل بين عون والحريري بالدرجة الأولى.
الراعي
في غضون ذلك، قال البطريرك الراعي في عظة الاحد أمس، «أنّ كل الإتصالات التي أجريتها – ولن اتوقف – وكانت بمبادرة شخصية مني لا من احد، لم أجد سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً. لكني وجدت لدى الناس ألف سبب يستوجب أن تتألف الحكومة فوراً، من أجل هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات كلها. وإذا كانت ثمة معايير فكلها ثانوية باستثناء معايير الدستور والميثاق». واضاف: «أمام هذا الواقع المتشعب، نريد حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطا مضادة، ولا ثلثاً معطلاً يشلّ مقرّراتها، نريدها حكومة غير سياسية وغير حزبية. وزراؤها وجوه معروفة في المجتمع المدني بفضل كفايتهم وإنجازاتهم وخبراتهم، على أن يتمّ تشكيلها وفقاً لمنطوق الدستور، بروح التشاور وصفاء النيات بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، في إطار الإتفاق والشراكة وقاعدة المداورة في الحقائب وفقاً للمادة 95 من الدستور، كعلامة للمشاركة الحقيقية في إدارة شؤون الدولة. نريدها حكومة تتفرّغ لمشروع الإصلاحات، وللإستحواذ على المساعدات الدولية المقررة والموعودة. نريدها حكومة تضع في أولوياتها إعادة بناء المرفأ واستعادة حركته وضبط إدارته ومداخيله وجمركه، وإعادة إعمار بيروت المهدّمة».
وشدّد على إستمرار التحقيق العدلي في شأن تفجير مرفأ بيروت. وقال: «وإذا كان البعض يفضّل إحالة الملف إلى المجلس النيابي، ونحن نكن الاحترام لهذا المجلس، فإننا نخشى أن يموت التحقيق ويسيّس بين الكتل النيابية. وأي مماطلة إضافية في التحقيق ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه».
عوده
ومن جهته، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، خلال قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت: «الجميع يطالبون بالحقيقة والعدالة، والجميع يتغنون بضرورة احترام القضاء وصونه بعيداً من متاهات السياسة. وعندما يحاول القضاء القيام بواجبه، يهبّون دفاعاً عن الدين والطائفة والمذهب، وكأنّ الطائفة هي المقصودة عندما يُشار إلى إنسان ينتمي إليها. هل أصبح الدين ملجأ أم هو علاقة بين الإنسان وخالقه؟ وهل يريد أهل السلطة كشف الحقيقة أم طمسها؟» وسأل: «كيف تستقيم العدالة إذا كانت كل طائفة تمنع محاسبة المنتمي إليها؟»، وقال: «إنّ القانون يجب أن يسري على الجميع، إلى أي طائفة انتموا. نحن في حاجة إلى دولة المواطنة لا دولة الطوائف، إلى دولة يحكمها الدستور والقوانين، وتعمّ فيها العدالة والمساواة، ويكون فيها القضاء منزّهاً عن كل المماحكات، ومحترماً» واضاف: «لن يستقيم الوضع في لبنان إلّا عندما تصبح المراكز التي يتولاها اللبنانيون تخصّ الوطن بأسره، لا طائفة هذا الموظف أو ذاك المسؤول، وعندما يعمل هؤلاء من أجل خير لبنان واللبنانيين، لا من أجل مصلحة الطائفة أو المذهب».
«هيومن رايتس»
وشدّدت البعثة الدولية لمنظمة «هيومن رايتس»- لبنان، على «ضرورة ترك القضاء يقوم بمهماته في التحقيقات بجريمة مرفأ بيروت المدمّرة، من أجل إظهار الحقيقة الساطعة، رحمة بدماء الشهداء والجرحى ورأفة بآلاف العائلات المنكوبة وبالوطن»، معتبرة أنّ «أي إعتراض على مسار التحقيق يكون عبر الأطر القانونية، بعيداً من أي شكل من أشكال الإستغلال السياسي، حتى يبقى القضاء الجهة الصحيحة التي يلجأ اليها المواطن من أجل فض النزاعات والخلافات وإرساء العدالة وحماية حقوقه كمواطن وإنسان، فسلامة الجسم القضائي هي المؤشر الاول لسلامة الدولة وللعدالة والاستقرار فيها، ومع سلامة القضاء تعود ثقة اللبنانيين أينما وجدوا وثقة المجتمع الدولي بلبنان».
وطالبت، في رسالة هنأت فيها اللبنانيين بالاعياد المجيدة، «بضرورة الاسراع بتشكيل حكومة تلبي حاجات ومطالب المواطنين الاساسية في معيشتهم وحقوقهم الانسانية في العيش الكريم، لأنّ الوضع الذي يعيشه الناس لم يعد يحتمل في هذه الظروف الشديدة الصعوبة، وبالتالي لم يعد مقبولاً ولا مسموحا ًبأي شكل من الاشكال تقديم أي أعذار من أي فريق كان في عدم امكانية تشكيل حكومة تلملم الاوضاع المذرية التي وصل اليها الناس على كل المستويات».
«الحزب» لا يستبعد ضربة
من جهة ثانية، نقلت صحيفة «الغارديان» عن مسؤولين في «حزب الله» اللبناني، وصفهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ»المجنون»، وأنّه قد يدفع مع إسرائيل في اتجاه حرب ضد إيران والحزب، قبل دخول الرئيس المنتخب جو بايدن الى البيت الابيض في 20 كانون الثاني المقبل.
وقال أحد المسؤولين في الحزب: «كما تعرفون، نحن لا نخاف الموت، ولكن علينا حماية قادتنا ونعرف أننا سنتضرر سياسياً لو حدث شيء لهم. هذه أوقات خطيرة وترامب مجنون، ولكن لن يحصل على ما يريد، فلا صبر لديه ولا وقت. يعتقد الإسرائيليون أنّهم قادمون إلينا ولكن القادمين هم نحن». وأضاف مسؤول ثانٍ في الحزب: «هل سيحاولون عمل أمر كبير ببيروت في الأسابيع المقبلة؟ هذا محتمل رغم أنّ هناك حالة تأهّب أمني في الضاحية والجنوب. وهذا من أجل حماية قادتنا وليس لدينا شيء محدد، ولكن هناك شيئاً في الأجواء».
وأشارت الصحيفة، إلى «أنّ إسرائيل تؤمن أنّ دول الخليج معادية لإيران و»حزب الله»، وهو ما ردّ عليه مسؤول آخر في الحزب قائلاً: «لا يهمّ كثيراً ما يقوله السعوديون، فالحزب يستطيع الاعتناء بنفسه، وعليهم فهم أنّه لو انهار البلد فلن تخرج الأحزاب السياسية التي يدعمونها قوية».
كورونا
على الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا امس، تسجيل 1534 إصابة جديدة (1520 محلية و14 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 158104 اصابة. كذلك اعلنت تسجيل 11 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 1281.
وأشار وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن في حديث متلفز، الى انّ «آخر المعطيات تقول انّ لقاح «فايزر» فعّال، وأنّ السلالة الجديدة لكورونا سريعة الإنتشار، لكن حتى الآن لم تظهر أنّها أشدّ فتكاً».
وأعلن أنّه «في حال ارتفعت نسبة اشغال اسرّة العناية الفائقة لمرضى كورونا سنعود الى طرح اقفال البلد».