الجمعة, نوفمبر 22
Banner

في لبنان جراح واحد يجري جراحات القلب للأطفال

تبلغ نسبة التشوه الخلقي في القلب لدى الأطفال في لبنان نسبة 10 في المئة مما يتطلب تدخلاً طبياً، سواء كان جراحياً أو على سبيل العلاج.

وفي ظل ارتفاع عدد الحالات في لبنان، يبرز تحدٍ طبي كبير في هذا المجال من بداية الأزمة التي ترافقت مع هجرة نسبة عالية من الأطباء. ففي مجال جراحة قلب الأطفال، غادر الأطباء المتخصصون، ولم يبق منهم إلا واحد في أحد المستشفيات الكبرى.

وسط عدم توافر الأطباء المتخصصين في مثل هذه الحالات، يبرز تحدٍ آخر يتمثل في ارتفاع كلفة الجراحة لتصل إلى عشرات آلاف الدولارات أحياناً، مما يزيد من الأعباء على الأهل الذين يعجزون عن تحمل كلفها ويجدون أنفسهم مرغمين على تأجيلها والمخاطرة بحياة أطفالهم. أما الجمعيات الداعمة للأطفال الذين يعانون تشوهات في القلب فتزيد الضغوط عليها أيضاً مع تراجع معدلات التمويل لتغطية كلف مثل هذه الجراحات ومساندة الأهل.

طبيب واحد

ثمة ما لا يقل عن 800 حالة إلى 1000 ولادة سنوياً لأطفال يعانون تشوهات خلقية بالقلب في لبنان. نسبة 40 في المئة من هؤلاء لا تحتاج إلى تدخل جراحي، ومنها ما يستدعي المراقبة الطبية، لكن هناك أيضاً حالات طارئة لا تحتمل الانتظار ومن المفترض أن تجرى مباشرة عند الولادة دون تأخير. وفق الطبيب المتخصص في جراحة قلب الأطفال يحيى جاسر.

في لبنان، تكثر العوائق في مثل هذه الحالات خصوصاً أن جراحة قلب الطفل تعتبر من الجراحات المكلفة. يضاف إلى ذلك أنه على أثر هجرة الأطباء، بقي جراح واحد يجري جراحات القلب للأطفال في مختلف المستشفيات المجهزة لذلك. هذا، من دون أن ننسى أزمة المعدات التي تبرز كعائق إضافي لا بد من التعامل معه.

يوضح نقيب الأطباء في لبنان يوسف بخاش لـ”اندبندنت عربية” أن وضع الطفل المصاب بتشوه خلقي في القلب لا يسمح بأي تأخير، وقد تستدعي حالات إجراء الجراحة خلال 24 ساعة، إذا كان التشوه في الشرايين، وإلا فيموت الطفل، تماماً كما في حالات الذبحة القلبية والنزف في الرأس. هذا هو التحدي الأكبر، فيكون التدخل مطلوباً خلال ساعات في وضع بغاية الدقة، فيما لا يوجد سوى طبيب واحد يتحمل هذه المسؤولية.

يضيف، “صحيح أن أعداد الأطباء المتخصصين في هذا المجال لم تكن مرتفعة أصلاً. كان هؤلاء الأطباء يغطون المستشفيات الجامعية في البلاد، بما أن هذا النوع من العمليات لا يمكن أن يجرى إلا في المستشفيات الكبرى المجهزة، لكن في ظل الأزمة انخفض العدد، ولم يبق منهم إلا جراح واحد. وتأتي جمعيات مع فرق من الأطباء المتخصصين من الخارج من وقت إلى آخر.

من جانبه يذكر الطبيب يحيى جاسر، أن مليون طفل يولدون سنوياً في العالم مع تشوه خلقي في القلب، ونسبة 90 في المئة منهم لا تلقى العلاج اللازم. ويشير إلى أن نسبة تلقي العلاج والمتابعة الطبية في مختلف دول العالم تبدو متفاوتة بين الدول نظراً إلى ما تتطلبه من معدات، وتخصص طبي، وغيرها من المقومات الدقيقة.

يوضح جاسر، “أما في لبنان، فالتحدي الأكبر برز بسبب النقص في المعدات، إضافة إلى هجرة عدد من الأطباء الذين لم تتأمن حقوقهم حتى يتمكنوا من الاستمرار في البلاد. كما أن ارتفاع كلفة الجراحة بصورة عامة. لذلك يعجز كثر عن تحمل كلفها ويجد الأهل أنفسهم مرغمين على المخاطرة بحياة أبنائهم بسبب العائق المادي”.

يتابع، “بقيت وحدي أعمل في هذا المجال في مختلف المستشفيات. على رغم ذلك نسبة الجراحات التي نجريها حالياً لا تتخطى 40 في المئة من تلك التي كانت تجرى قبل الأزمة، بسبب ارتفاع كلف الجراحة وعدم توافر القدرة على تحملها”.

يشير إلى أنه من الملاحظ أيضا خفض الطلب على العملية. إذ أجريت 200 عملية من أصل 1000 في العام الماضي، وإن كانت من الجراحات الملحة التي لا تحتمل التأجيل. هذا ما يعرض حياة كثر من الأطفال للخطر، وهو ما يحدث بالفعل بسبب عدم توافر القدرة على تحمل الكلف. لكن، عادت الأرقام وارتفعت نسبياً بعد أن بدأت شركات التأمين تغطي كلفها”.

على رغم المشهد المأسوي بالبلاد في هذا المجال، يتميز لبنان بالمراكز والمستشفيات المجهزة وفق المعايير المطلوبة. كما تتوافر كفاءات ممتازة في المجال الطبي لمتابعة الحالات هاجر معظمها، ويعتبر جاسر أنه ثمة خسارة متوقعة مستقبلاً لأن التقدم في التشخيص لا تقابله قدرة على تلبية الحاجة وإجراء الجراحات في الوقت المناسب. فلا فائدة من التشخيص المبكر في حال عدم تأمين العلاج بسبب كلفته العالية.

بانتظار الدعم

رانيا إبراهيم أم لطفل بعمر 9 سنوات ينتظر ليجري جراحة للقلب بعد تأخير دام سنوات تسبب في تراجع حالته. تتحدث بحرقة عن طفلها الذي اكتشفت إصابته بتشوه خلقي في القلب وهي في الشهر السادس من الحمل، وقد أجريت له عملية أولى بعد أيام من ولادته. وبعد معاناة طوال بسبب مشكلات عاناها في الرئتين أجريت له عملية ثانية بعد عمر السنة.

تقول رانيا، “أجريت له العمليتين في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، لكن الطبيب الجراح الذي كان يتابع حالته هاجر. واستمرت المتابعة الطبية له في المستشفى على أكمل وجه، لكن لم يكن من الممكن أن تجري له الجراحة الثالثة التي يحتاج إليه لأسباب عديدة، خصوصاً أنه عانى مراراً من مضاعفات عديدة بسبب حالته”.

استقر وضع الطفل حتى عمر 6 سنوات عاش خلالها طفولة شبه طبيعية، لكن التأجيل المتكرر لعمليته الثالثة الضرورية أدى إلى تدهور حالته مع تعرضه إلى مشكلات عديدة.

يوضح الطبيب المتخصص في جراحة قلب الأطفال الدكتور وليد سرحان أن ثمة حالات لا يملك فيها الأهل قدرة على إجراء العملية فيها للطفل، فينتظرون ويضيع الوقت فيأتي الطفل وقد ظهر عليه الزرقان بسبب تدهور حالتهم. ففيما هناك تغطية للنازحين من الأمم المتحدة، تنقص هذه التغطية للبنانيين مما يهدد حياة كثر من الأطفال. “يحضر جراح كل شهرين في أحد المستشفيات لتلبية عدد من الجراحات التي تنتظر. لكن هناك صعوبات في تأمين التمويل ما يؤخر كثراً من الحالات”.

كارين اليان ضاهر – اندبندنت

Leave A Reply