كتب د. محمد حسين بزي
لم يكن موسى محمود بزي يظن ليومٍ واحدٍ أنه سيغادر مدينته بنت جبيل حتى يلقى حتفه بهذه الطريقة المأساوية الناتجة عن إهمال الدولة اللبنانية الواقعة بين اللصوصية من الداخل والعدوان الإسرائيلي المستمر من الخارج، وبين هذه وتلك سرقوا أعمارنا، وأرزاقنا، ومستقبل أولادنا حتى نخاع الثانية من دقات قلوبنا.
نعم، إنه الظلم الذي لو كان رجلًا لقتله علي بن أبي طالب، إنه الظلم الداخلي الذي قتل موسى، وإنه التهجير الإسرائيلي جرّاء نصرة المظلومين الفلسطينيين الذين تخلى عنهم كل أهل الضاد ومعظم أهل الأرض، وتركوهم لمصيرهم تحت وطأة الإبادة المُشرّعة أمريكيًا بحجة الدفاع عن النفس للكيان الغاصب..!
موسى بزي الأبكم الذي أتقن مهارة الوقت والامساك به؛ كان صارخًا في موته أكثر من معظم أحياء العرب، وموسى وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة أضحى في موته من ذوي الهمم العالية التي تطاول أعلى الجبال كرامة وكبرياء، وموسى الذي ولد سنة 1959 وقضى عمره شاهدًا علينا وعلى بنت جبيل وحاراتها وأحيائها وأمواتها ومناسباتها لم يتخل عن سبحته وسجدته وقرآنه حتى في موته، في زمن تخلى فيه معظم الذكور عن شرفهم وشهامتهم فضلًا عن عروبتهم ودينهم، وليس أدل على ذلك ممّا يحصل اليوم في غزة.
لقد جمع موسى في فقدانه ما فرقته السياسة أو العصبية أو أي شيء آخر، ففقدان موسى قبل أربعين يومًا حوّل أهالي بنت جبيل وبلديتها وجمعياتها ومخاتيرها وصغارها وكبارها إلى خلية نحل تبحث عن موساها وعزيزها، وكل بحسب قدرته، ومن بركات موسى “رحمه الله” هذه اللحمة التي تجلت في محبته وفي البحث عنه.. وللتاريخ أقول: إنّ أحدًا من كل أهالي بنت جبيل في لبنان أو المهجر لم يقصّر في البحث عن موسى، لكن إهمال دولتنا الذي أدى ليسقط موسى في تلك الحفرة، وهمجية العدو وإرهابه كانا أقوى من كل مساعي إيجاد موسى حيًا. السلام على موسى عزيز بنت جبيل يوم ولد ويوم فُقِد ويوم استشهد شاهدًا على الظلم والتهجير حتى ينجلي غبار التاريخ عن معركة جغرافيا الوجود والوجوه.. ورغم فداحة خسارتنا لموسى؛ فإنه سيعيش فينا ناطقًا بالحق في زمن أبكم، وفي زمن ذوي احتياجات الظلم.