الجمعة, نوفمبر 22
Banner

أعمل في جراحة القصب

علي أبو عجميّة

1

مشى بالشَّوقِ والشِّتاءِ والنّسيان. المطرُ يَضرِبُ جبهتهُ الأمّ، والمواعيدُ على طولها تلفِظُ رأسَهُ الجَبان. حتى الحقائبُ من جلدِهِ المبذول، وقلبهُ من مُلصقاتِ الريح.

2

أعملُ في جِراحةِ القَصب. أضرِبُ بالمَنْدلِ والعَشواء. الفراغُ في يدي، والرُوح في مصرعي. ليس لديّ طريقة للوصول، ولا فكرة للخلاص. أنا محضُ حَجرٍ جَسور، يعثرُ بين صخرةٍ وصخرة. يبني بهِ السُّعداء، ويُفتّتهُ الحَزانى.

3

أسندي إلى ذراعكِ حَجَراً

يصقلُ عظمةَ الفَضيلة؛

وكتاباً

تدخلينِ إليهِ ولا تخرجين،

أن تألفي دُخانَهُ

ومُروءةَ الزهورِ

في فصولهِ النائمة،

أن تُطوّقيهِ بالشّعيرِ والأخطاء،

أن تبثّي في رَوْعه ِكلمةَ الجلاء

ثمّ تنتحرينَ في اسمه،

أن يكتبَ في رثائكِ كتاباً آخرَ ويخرجَ منه!

4

أنا هاويةٌ وحَلَبة،

أساكِنُ العلوّ وأصرعُ الهبوط.

لا مواكبَ تُعيدني إلى نفقِ الخوف،

ولا جِنازات تُنكّسُ لي أعلامها،

وثمّة أختامٌ عدوّةٌ

على وثيقةِ ميلادي،

وأملاحٌ صَلدةٌ

في صَدَفتي،

ونملٌ في فؤادي

يُحرّرُ عاطفتي بالعَمل.

5

باللّيلِ وحدَهُ،

والنّهدِ الحَليبيّ المُصَان،

والضَّميرِ الضَّيف،

أدفعُ العتمة إلى خِشيتها،

والمرأةَ إلى نَفْسِها،

والصّدقَ إلى داخلِه.

6

من رافقها

في شجاعةِ الوحدةِ؟

من توّجها بالستائرِ والسماء،

ثمّ أحالها

إلى نافذةٍ مأهولةٍ؟

هذه المرأةُ

منذُ الفراشاتِ والتّوهج،

تصعدُ بكاملِ رمادها إلى غريزةِ الدُخان.

7

خليقٌ بالبقاءِ أنا. خليقٌ بالفَناء.

دفعتُ دِيةَ هذه الكلمات وصِرتُ خالقها.

خليقٌ بالدَمِ في تهليلةِ الدنيا.

لم أزهق نفسًا سوى نفسي،

ولم أحرّر بالسّماءِ المملوكةِ رقبةَ الأرض.

8

مَشيتُ إلى المَكارهِ والمَفازات، ثم أخذتُ مَصارعي إليها.

أنا شَقيقُ السبيلِ وشفقُ الزوال.

أسعى في مرآكَ الكبير بالرسالة والعصا العمياء.

تقودني نجمةُ الوفدِ الكريمة، وتنأى بي ذريعةُ الضَّياع.

* شاعر من فلسطين

Leave A Reply