الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لبنان المحاصَر: إلى أين؟

لا نغالي إذا قلنا إن لبنان يعيش وضعا مفتوحا على المجهول أو على سيناريوات مختلفة ومتناقضة تتعلق بالغد عندما يأتي ذلك الغد: حرب على الحدود من جهة، وأزمة متعددة الأوجه والأبعاد والاحتمالات والتداعيات في الداخل من جهة اخرى.

فالحرب المفتوحة في الزمان والمكان التي تشنها إسرائيل على غزة، واستراتيجية “وحدة الساحات” التي ربطت قتال الجبهتين الغزاوية واللبنانية، لا أحد يدري بعد كيف ومتى ستتوقف. كثيرة هي الاسئلة المطروحة والسيناريوات التي يحملها الجواب عن كل سؤال. الهدنة التي يُفترض ان تسري خلال شهر رمضان قد تؤدي الى ان تكون هدنة طويلة لشراء الوقت والبحث عن تسوية، ليست بالأمر السهل، مع الاهداف التي رفعتها إسرائيل لتلك الحرب: حرب الابادة والتهجير التي تشنها ضد قطاع غزة. اهداف لا يمكن تحقيقها وقد بدأ الموقف الدولي، وتحديدا من القوى المؤيدة لإسرائيل، يتغير ولو ببطء وبسرعات مختلفة لوقف تلك الحرب عبر صيغ ما زالت تناقَش وتتغير. أضف ان الهدنة في غزة قد لا تمنع حصول انفجار يطيحها بالطبع في الضفة الغربية مع تزايد التوتر واعمال العنف الاسرائيلية من القوى الرسمية ومن المستوطنين بشكل اكثر ازديادا، ضد المواطنين الفلسطينيين. الاخطر هو احتمال اشتعال التوتر عبر ما تقوم به القوى الدينية المتشددة والمتزايدة عدداً وقوة في إسرائيل بشكل عام، وما قد تقوم به كما تهدد ضد المسجد الاقصى. ونذكّر في هذا الصدد بما حصل في أيلول 2000 وأطلق ما عُرف بانتفاضة الاقصى، الامر الذي قد يطيح الهدنة المنتظرة ويزيد من حدة نار الحريق الحاصل في الاراضي المحتلة وطبعا على الجبهة اللبنانية. إسرائيل تعتبر ان التوصل الى تسوية حول جبهة غزة ايا تكن طبيعتها لا يوقف حربها على الجبهة اللبنانية، اذ لا عودة الى الوضع الذي كان قائما على الحدود مع لبنان حتى السادس من تشرين الاول عشية اندلاع الحرب على غزة. والتسوية على جبهة غزة متى حصلت، لا تعني العودة الى اعتماد قواعد اللعبة التي كانت قائمة على الجبهة اللبنانية، فلا ارتباط بهذا الخصوص بين الجبهتين، إلا ربما في شأن الهدنة الموقتة، وهذا ايضا غير مؤكد، كما يكرر المسؤولون الاسرائيليون. وهذا ما يفسر بشكل خاص مهمة المبعوث الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين الى لبنان للبحث في ارساء مسار تهدئة يقوم على سلة من القواعد والاهداف يلتزمها طرفا الصراع على الجبهة اللبنانية. وهذا ليس بالامر السهل، لا بل انه شديد التعقيد في ظل المعطيات التي اوجدتها الحرب على غزة واحتمالاتها المتعددة وانعكاس ذلك على الوضع على الجبهة اللبنانية. رغم ذلك يبقى سيناريو التوصل الى قواعد جديدة ناظمة للعلاقات على الحدود أمراً غير مستبعد ولو انه شديد التعقيد في ظل المعطيات الجديدة التي خلقتها الحرب المستمرة على غزة، طالما لم يتم التوصل ايضا الى اخماد الحريق ولو في مرحلة لاحقة على الجبهة الغزاوية. هنالك احاديث عن عملية اطلاق مسار للتوصل الى تفاهم جديد يذكّر بـ”تفاهم نيسان” في العام 1996 والذي جرى التوصل اليه بعد عملية “عناقيد الغضب” الاسرائيلية ضد جنوب لبنان ومجزرة قانا. بالطبع ستكون عناصر وقواعد التفاهم الجديد مختلفة عن تفاهم 1996 بسبب المتغيرات العديدة التي حصلت. تفاهم سيكون بلا شك عاملا مسهلا ومحفزا لاطلاق عملية تفاوض “لتثبيت” الحدود البرية اللبنانية – الاسرائيلية وايجاد “صيغة ديبلوماسية” للتعامل مع مسألتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة.

أفكار ومقترحات ما زالت في بداياتها ولا يدرك أحد متى يتم التوصل الى خواتيمها في ظروف شديدة التعقيد على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية وعلى الترابط بينهما .

في خضم ذلك كله، يجري ترحيل الازمة الداخلية اللبنانية التي اشرنا اليها، في أفق زمني مفتوح، رغم مخاطر استمرارها على الوضع اللبناني، الى ان تتم تسوية المسألة الخارجية (الحرب على غزة ووقفها وانعكاساتها اللبنانية). ولا بد في هذا الخصوص من إدراج ملاحظة اساسية قوامها ان الدول عندما تواجه ازمة خطيرة على صعيد أمنها الوطني بمختلف اوجه هذا الامن تسارع الى اعادة تشكيل السلطة، فما بالك اذا كان هنالك فراغ في السلطة، وذلك للتعامل مع التحديات التي يفرضها هذا الجوار المباشر. فإعادة تشكيل السلطة في لبنان من خلال ثلاثية انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تُعرف بـ”حكومة مهمة” تكون بمثابة “فريق عمل” مع الرئيس وبلورة برنامج اصلاحي انقاذي يكون بمثابة خريطة طريق للعمل على انقاذ البلد من ازمته الداخلية والتعامل بشكل فعال مع كل اوجه التداعيات والانعكاسات للازمة الخارجية الضاغطة والمحاصرة للبلد المعني، امر اكثر من ضروري رغم العوائق الكثيرة المعروفة امامه. وبقدر ما تزداد الازمة “الخارجية” حدة وتعقيدا بقدر ما يجب الاسراع في العمل على تسوية الازمة الداخلية من خلال اعادة تشكيل السلطة في الداخل والخروج من حالة الفراغ القاتل. ويجب ألّا ننسى ان الانتظار، على اساس منطق القدرية السياسية الناظم للحياة السياسية في لبنان والذي يراهن دائما على استيراد الحلول من الخارج وليس بلورتها وطنيا، ان الانتظار هو أسرع طريق للانهيار. فهل نتعظ في لبنان قبل فوات الأوان؟

الدكتور ناصيف حتي – النهار

Leave A Reply