منذ اليوم الأول لشنّ جيش الإحتلال الإسرائيلي عدوانه على جنوب لبنان، بالتزامن مع عدوانه على قطاع غزّة قبل ما يزيد على خمسة أشهر، إرتفعت أصوات المعارضة في لبنان تطالب بانتشار الجيش اللبناني في الجنوب تنفيذاً للقرار الأممي 1701، متذرعين بأنّ ذلك من شأنه إيقاف دورة العنف في الجنوب.
غير أنّه منذ صدور قرار مجلس الأمن قبل زُهاء 18 عاماً بقي سؤال يراوح مكانه بلا إجابات شافية عليه، وهو كيف يمكن للجيش اللبناني أن ينتشر في الجنوب على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو لا يمتلك القدرات العسكرية الكافية ولو بالحدّ الأدنى ليضبط الوضع الأمني هناك، وردع العدوان الإسرائيلي في حال حصوله، وهل أنّ القدرات العسكرية المحدودة لديه كافية لأنّ يقوم بهذه المهمّة؟
طوال العقدين المنصرمين كان سؤالٌ يوجّه إلى قوى المعارضة التي تطالب بالتزام لبنان تنفيذ القرار 1701، مفاده: لما لا تعملون على تأمين دعم للجيش اللبناني بدل أن تطلبوا فقط من حزب الله تنفيذ القرار، وتطالبوه تنفيذ قرار لا تنفّذه إسرائيل، ولم يبدر عنها أيّ نيّة للإلتزام بتطبيقه، لكنّهم كانوا يلتزمون إمّا بالصمت أو يردّون بإجابات رمادية على هذا السّؤال، بشكل جعلهم يبدون ـ ظاهرياً ـ أحرص على أمن دولة الكيان أكثر من حرصهم على أمن بلدهم.
هذا السّؤال كان يُوجّه أيضاً إلى الجهات الإقليمية والدولية التي كانت تطالب لبنان تنفيذ القرار المذكور، وبقي الجواب عليه مبهماً، وهو ما كشفه يوم أمس الرّئيس السّابق للحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط، في حديث مع صحيفة “لوريان لو جور”، الذي قال إنّه خلال لقائه الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين إبّان زيارته الأخيرة إلى لبنان، “سألت هوكشتاين عمّا إذا كان بوسع الولايات المتّحدة زيادة مساعداتها الماليّة للجيش. فردّ بالقول إنّه في الوقت الحالي لن يتمكّن من تمرير مثل هذا الإقتراح عبر الكونغرس. لماذا؟ لا أعرف. إنّه غريب جدًّا”.
قبل أيّام، وخلال مقابلة تلفزيونية مع وزير الداخلية السّابق مروان شربل سأله المذيع: “إذا التزم لبنان تنفيذ القرار الدولي من يحمي الجنوب وأهله بشكل خاص، ولبنان بشكل عام، من عدوان إسرائيلي شبيه بالعدوان الذي يشنّه على قطاع غزّة”، أجاب شربل أنّ الجيش اللبناني “لا يقدر على ذلك بما يمتلك حالياً من قدرات عسكرية”، وعندما علّق المذيع أنّه “لا يبقى إلّا القرار 1701 ليحمي الجنوب ولبنان من أيّ عدوان إسرائيلي”، ردّ شربل بضحكة سخرية مدويّة.
طوال السّنوات الماضية كانت نصيحة توجّه إلى المعارضين للمقاومة في لبنان بأن لا يضحّوا بها، حتى لو اختلفوا معها سياسياً، وأن ينظروا إليها على أنّها “ورقة قوة” بيد لبنان لتحقيق أهدافه في انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وفي تحقيق توازن عسكري مع العدو يردعه عن تكرار إعتداءاته السّابقة، كما في اجتياحي عامي 1978 و1982، وعدوانه المستمر، إلّا أنّ هذه النصيحة كانوا يقابلونها بإدراة الظهر لها وتجاهلها، لأنّها تتعارض مع “أجنداتهم” الداخلية والخارجية.
عبدالكافي الصمد- سفير الشمال