الأربعاء, نوفمبر 27
Banner

عمال لبنان متروكون للتعسف.. وقانون العمل “هزيل”

بات قانون العمل في لبنان فاقداً للقيمة، عاجزاً عن أداء دوره في تنظيم العمالة وحماية العمال، فالشوائب المتلازمة معه والظروف المحيطة به غيّبته بشكل شبه تام، حتى باتت عملية إدخال تعديلات عليه مسألة بلا جدوى، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى استحداث قانون عمل جديد يواكب المتغيّرات السريعة في سوق العمل.

وتحت عنوان “نحو قانون اجتماعي وإنساني يواكب العصر والمتغيّرات في علاقات العمل” عقد المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، بالتعاون مع شبكة “عملي، حقوقي” والتجمّع الوطني من أجل نقابات حرّة، جلسة حوار مع عدد من الخبراء تخلّلها عرض ومناقشة قراءات محورية حول قانون العمل الحالي.

قانون هزيل

وحسب المرصد، فإن قانون العمل اللبناني الذي يعود إلى العام 1946 لم تطرأ عليه سوى تعديلات قليلة، ومنذ ذلك الوقت تناضل الحركة النقابية والعمالية والمنظمات الحقوقية لإدخال تعديلات على القانون تجعله أكثر عدالة وشمولية في حفظ حقوق العمال، من دون جدوى. إذ وحسب منار زعيتر، المحامية والباحثة في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، فقانون العمل في لبنان لم يعد قادراً على تلبية الهدف المرجو منه، والتعديلات التي خضع لها كانت جزئية، فيما المطلوب اليوم قانون عصري يراعي المتغيرات السريعة بسوق العمل، ويتولى تنظيم العمل والعمال والعلاقة بين العمال وأرباب العمل. وتقول زعيتر “لا بد من التأسيس لقانون جديد يجيب عن تساؤلات أساسية: ما الذي نريده وكيف نحمي المجموعات العمالية؟”.

وتوجز زعيتر في حديثها لـ”المدن” العديد من الثغرات التي تشوب قانون العمل اللبناني، منها وجود شريحة واسعة جداً من العمال خارج أي مظلة قانونية، باعتبار أن 62 في المئة من قطاع العمل غير منظم. ما يعني أن أكثر من نصف العمال غير محميين على الإطلاق “كما أن العمالة المنزلية لا قانون يرعاها. والمزارعون والمياومون في المؤسسات والإدارات العامة، مستثنون من قانون العمل بموجب المادة 7 منه، ومن الخطورة ألا يشمل القانون كل العمال”.

فئات مهمشة

دائماً ما تنص المعايير الدولية والقوانين الحديثة على موضوع المساواة وحظر التمييز. لكن بقانون العمل اللبناني هناك مجموعات ضعيفة وتفاوتاً كبيراً بين المجموعات، فقوانين الدول العربية تعالج قضايا ذوي الإعاقة وما يتعلق بالنساء وغير ذلك، بخلاف قانون العمل اللبناني الذي يتضمن مادة وحيدة تتعلق بالمساواة بالأجر فقط. أما القوانين الحديثة فتتطرق إلى إجازة الامومة 14 أسبوعاً، وإلى إجازة الأبوة والتحرش الجنسي، وغير ذلك من الأمور الغائبة عن قانون العمل اللبناني، مع الإشارة إلى أن التحرش الجنسي يتم تجريمه في القانون العام فقط.

وتلفت زعيتر إلى أحد الجوانب الخطرة من قانون العمل الحالي، وهي المادة 50 منه المتعلقة بالصرف التعسفي. إذ لا تتضمن إجراءات رادعة بشكل كاف لحالات الصرف. وبذلك يفتقد القانون لأمر أساسي يتعلق بديمومة العمل والحماية من الصرف التعسفي. وعلى سبيل المثال، فالعامل المصروف تعسفياً أمامه شهر واحد فقط للتقدم بالدعوى، وإلا يسقط حقه باللجوء إلى مجلس العمل التحكيمي. كما أن أسباب الحماية من الصرف التعسفي مفقودة في لبنان، بخلاف باقي الدول العربية، إضافة إلى أن التعويضات التي يتم صرفها للعامل المصروف تعسفياً لا تحقق جبر الضرر الذي لحق بالعامل، “باختصار، مسألة الصرف التعسفي في لبنان تحصل بغياب أي ضوابط. فالأوضاع الاقتصادية المتردية فاقمت هذه الظاهرة. لكن هذا الأمر يجب أن يتم ضمن ضوابط وحدود نفتقدها في لبنان”، تقول زعيتر.

صحيح أن القانون في لبنان ينظم عمل النقابات، غير أن التنظيم النقابي والحرية النقابية منتهكة. فالقانون فيه العديد من الثغرات، منها المرتبطة بترخيص النقابات وربطها بالوزارات، فكيف يمكن أن يقترن العمل النقابي بموافقة حكومية رسمية؟ كما أن حل النقابات يستلزم قراراً قضائياً وليس إدارياً، كما هو الحال في لبنان. ويُضاف إلى ذلك حرمان فئات عمالية كالعمال المنزليين وموظفي القطاع العام من تأسيس نقابات.

غياب الرؤية

التشريع يعبر عن الفلسفة ويترجم رؤية الدولة تجاه السياسات الاجتماعية وقضايا العمل، كما سائر الدول. لكننا في بلد تسيطر فيه قوى الرساميل. وتحت ذريعة التحرر الاقتصادي وحرية التعاقد، بات هناك ضعف كبير بالحماية. كما أن هناك تواطؤاً تاريخياً بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، وليس لدى البرلمان والحكومة أجندات لحقوق الإنسان والعمال، وليس واضحاً النهج تجاه العدالة الاجتماعية. وتقول زعيتر إن هناك خللاً بنيوياً في كافة سياسات الحماية الاجتماعية في لبنان. من هنا باتت التحديات كبيرة جداً، وجعلت أي تشريع للعمل يواجه صعوبات كبرى. ولا ننسى أن الدستور اللبناني أيضاً يفتقد إلى مادة واضحة تكرّس حق العمل، كما أن لا إشارات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في قانون العمل.

وعن إمكانية تدخل منظمة العمل الدولية، والحث على صوغ قانون عمل عصري يراعي حقوق العمال، أوضح مصطفى سعيد، المستشار الإقليمي للأنشطة العمالية في منظمة العمل الدولية، في حديث لـ”المدن”، أن تدخل المنظمة يقف عند حدود مخالفة البلد لأي من الاتفاقيات التي صادق عليها، أو في حال التقدم بشكوى ترتبط بانتهاك معين. كما أن لدى المنظمة آليات لمراقبة مدى احترام الدول للاتفاقيات، وعليه تضع ملاحظاتها. علماً أن لبنان لم يصادق على أكثر من 52 اتفاقية ترتبط بمنظمة العمل الدولية من أصل 191 اتفاقية.

وإذ يوضح سعيد أن منظمة العمل تقدم كل المساعدات التقنية على المستوى الاستشارات، لمعالجة الخلل في قانون العمل، يشدّد على أنه ما لم يبادر لبنان لطلب ذلك فلن يتم التوصل إلى نتيجة. ويرى سعيد بأن الإنطلاقة لإصلاح الخلل في قانون العمل لا يمكن أن يتم بشكل فردي إنما بجهود رسمية واسعة، ومن خلال رؤية إصلاحية واضحة، ومن خلال كتلة نقابية منظمة. والأهم، أنه لا بد من وضع هدف واضح لتنظيم العمل، من خلال تحديد قواعد بمعايير دولية.

عزة الحاج حسن – المدن

Leave A Reply