بدا من سير المواجهات العسكرية في جبهة الجنوب، أن العدو الإسرائيلي يتقصّد تدمير المنازل والبنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية والمناطق الزراعية، وحتى مزارع الحيوانات الداجنة، في سياسة تم تشبيهها بسياسة التدمير المعتمدة في قطاع غزة، لتهجير أبناء هذه المناطق، وإقامة شريط عازل خالٍ من البشر والحجر، كأمر واقع عسكري، بعد فشل المساعي السياسية لتهدئة الجبهة، مع فارق أن جنوب لبنان له عمق استراتيجي مفتوح شمالاً وشرقاً وليس مُطوّقاً ومحاصراً كقطاع غزة، ما يعني استحالة عزله عن محيطه واستحالة منع وصول كل الإمدادات إليه.
يتحسب العدو الإسرائيلي من توسيع المواجهات العسكرية القائمة بالشكل الحالي إلى حرب أو عملية برية واسعة لإبعاد قوات المقاومة عن الحدود، كما يرغب، لأن جبهة الجنوب مفتوحة على عمقها اللوجستي والشعبي الرافد للمقاتلين والعتاد والسلاح، بينما هو يعاني نقصاً في عديد قواته، فطلب الجيش من المستوى الحكومي تطويع بين 7 الى 8 آلاف جندي جديد، وإجبار يهود “الحريديم” الأرثوذوكس المتدينين المتشددين على التطوع في الجيش، لكن الحاخام الأكبر لهم أعلن أن فرض التجنيد الإجباري على “الحريديم” سيعني تركهم للكيان الاسرائيلي ومغادرة فلسطين المحتلة إلى دول أخرى، هذا عدا معاناة المستوطنين في شمالي فلسطين وضغوطهم على الحكومة، بعدما قابلت المقاومة حرب التدمير في الجنوب بحرب تدمير مدروسة وبطيئة للمستوطنات.
كل هذه الوقائع تشير إلى أن معركة جبهة الجنوب تختلف عن معركة جبهة غزة، من نواحٍ كثيرة تعطيها أفضلية قتالية، على الرغم من توسيع العدوان نحو مناطق البقاع. وهذا ما يبرر، بنظر المتابعين، الضغط الأميركي على لبنان لوقف القتال، وعلى “إسرائيل” لعدم التمادي في التصعيد. لكن يبدو أن حكومة العدو، المحشورة عسكرياً وشعبياً، لا تستطيع تلبية الطلب الأميركي، وتسعى لتحقيق “انجازات عسكرية” ولو محدودة ضاغطة على المقاومة، ظهر أنها بلا نتيجة حتى الآن.
كما أن لبنان لا يستطيع تلبية الطلب الأميركي الذي حمله آموس هوكشتاين، عبر اقتراحات غير واقعية وغير منطقية لتهدئة الجبهة، لذلك رفضتها المقاومة كما لبنان الرسمي.
وكما أن المقاومة في غزة ترفض مطالب وشروط الكيان الإسرائيلي، وهي في وضع صعب من كل النواحي ومع ذلك تواصل القتال والصمود، فإن المقاومة في لبنان هي في وضع أفضل، ولها القدرة على مواصلة القتال بشكل أفعل وأكثر تأثيراً، وربما لمدة أطول، ولو أن ردّها على توسيع العدوان نحو البقاع ما زال حتى الآن محكوماً بالضوابط التي تحددها المقاومة بتدمير البنى العسكرية والتقنية لجيش العدو أكثر من تدمير البنى المدنية.
هذه الفوارق بين جبهة غزة وبين جبهة جنوب لبنان، والتي يعرفها الأميركي ـ كما الإسرائيلي ـ بشكل دقيق، تدل على أن فشل الموفد الأميركي هوكشتاين في مهمته اللبنانية أمر طبيعي ومحتّم، وأن باب نجاح مهمته الوحيد هو في ممارسة الضغط الحقيقي الميداني على الكيان الإسرائيلي، عبر إجراءات ملموسة لوقف الدعم العسكري والسياسي عنه لوقف الحرب على غزة، وبالتالي المواجهات في جبهة الجنوب.
غاصب المختار – الجريدة