يكثر السفير المصري علاء موسى من اطلالاته الاعلامية ولا يقصّر في عرض مهمة اعضاء المجموعة “الخماسية” وإبراز الدور الذي تؤديه دولها في مساعدة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية. ويقدم موسى بعد كل زيارة للسفراء الخمسة وبالتنسيق معهم حصيلة كل لقاء. ولا يمنعه هذا الامر من الرد على اسئلة الصحافيين في مشهدية لم يفعلها الاعضاء الآخرون بهذه الصورة إلا عند الضرورة. وبعيدا من المساعي التي تبذلها هذه الدول ولو ان لكل منها رأيها الخاص في الاسم الذي تحبذ وجوده في رئاسة الجمهورية، فان الكتل النيابية تشرك العالم في اختيار من سيحلّ في رئاسة بلد اعتاد هذا النمط من التدخلات التي ارتفعت وتيرتها اكثر بعد اتفاق الطائف. ولا يعني هذ الكلام ان الرؤساء الذين حلّوا في الرئاسة قبل أول رئيس بعد الطائف رينه معوض انتُخبوا بإرادة نيابية لبنانية مئة في المئة. ولم تكن القاهرة بعيدة عن هذا الواقع، ولا يزال اللبنانيون يتذكرون سفيرها الشهير عبد الحميد غالب الذي لقّب “المندوب السامي” ومارس ادواراً فوق العادة ولو تخطى القواعد الديبلوماسية في بيروت ابان سطوع نجم جمال عبد الناصر وتأثيره في الاقليم. ثم تراجع دور مصر بعد وفاته كما بعد توقيع اتفاق “كامب ديفيد” مع اسرائيل.
هل تريد مصر تفعيل حضورها في لبنان اليوم رغم كل مشكلاتها الاقتصادية والتعقيدات التي تحكم دورها المطلوب في غزة، ولا سيما ان حزام النيران الاسرائيلية في رفح تلامس سخونته حدود سيناء؟ يعترف مراقبون بان قوة تأثير المصريين قد تراجعت في لبنان بفعل عوامل عدة، لكنهم لم يتخلوا عنه لجملة من الاعتبارات التي تميز بيروت في المنطقة التي تستقطب جاذبيتها السياسية والامنية الكثيرين الى ربوعها والخوض في ملفاتها وازماتها وما اكثرها بفعل طبيعة اللبنانيين وانقساماتهم. ولا يخفى هنا في الملف الرئاسي ان لاعبين جددا من العرب حلّوا في العقدين الاخيرين في لبنان، ولا سيما قطر التي يتقدم دورها مع السعودية بالطبع في الملف الرئاسي الى جانب واشنطن وباريس، بحيث لم تعد القاهرة وحدها قادرة على استعادة مهمات ايام زمان في لحظة حضور الناصرية في وجدان شرائح كبيرة من اللبنانيين، ولا سيما في صفوف ابناء الطائفة السنية. وفي آخر لقاء للسفراء الخمسة مع احد المراجع طالبهم بالتدخل المباشر لدى الكتل والنواب الذين يمونون عليهم والطلب منهم إتمام استحقاق انتخابات الرئاسة الاولى والحد من ايام الشغور المفتوحة. وما تقوله مصر انها موجودة وستبقى في موقع الصديق للبنان عندما يحتاج اليها ولن تبتعد عن حراكها السابق في هذا البلد كما فعلت الجزائر ولو انها تعرف تبدل ظروف الماضي نظراً الى جملة من الظروف الاقتصادية والتبدلات الجيوسياسية في محيطها في العقدين الاخيرين. ورغم الضغوط التي تواجهها لا يشكل هذا الامر اي حساسية لها مع اعضاء “الخماسية”، بل تصر على التعاون معهم وتستمر في هذا الدور الاعلامي الذي يعكسه سفيرها موسى.
وفي موازاة هذه الاحوال والمحطات، فإن المصريين لا يريدون التراجع في علاقاتهم مع لبنان، لكنهم لا يستطيعون إحداث تأثير مباشر لدى كتل نيابية حيث لا تتعدى علاقاتهم معهم اكثر من حدود التلاقي وتبادل الآراء على عكس عواصم عربية مؤثرة في بيروت تتقدمها الرياض والدوحة، وان الجميع لا يقللون من شأن علاقة مصر مع لبنان منذ ايام الملك فاروق الذي وقف في وجه الفرنسيين ابان استقلال لبنان عام 1943، الى ابراز موقع لبنان في انشاء جامعة الدول العربية. وكانت للقاهرة صولات وجولات في أحداث 1958 وصولا الى “اتفاق القاهرة” الشهيرعام 1969 وما حملت مندرجاته من ارتدادات على مسرح لبنان قبل سنة من وفاة عبد الناصر وشبكة علاقاته مع شخصيات لبنانية في مقدمها فؤاد شهاب وكمال جنبلاط. ولم يكن الرئيس انور السادات بدوره بعيدا عن الاهتمام ببيروت وتعاونه مع السعودية في مساعدة لبنان ابان سنوات الحرب الاهلية وفي عزّ خلافاته مع الرئيس حافظ الاسد على ارض لبنان.
من هنا لا يمكن القول ان القاهرة بعد كل هذه العقود من علاقاتها السياسية والديبلوماسية مع لبنان انها تمارس سياسة الانكفاء حياله بل ستبقى صاحبة تأثير رغم تبدل موازين القوى في لبنان، مع التوقف عند دخول طهران على الخط تزامناً مع توقيع مصر معاهدة سلام مع اسرائيل. وبغضّ النظر عن الاسم الذي سيحلّ في الرئاسة الاولى تحرص مصرعلى عامل الحضور في لبنان ولو ان هذا التأثير قد تبدلت طبيعته نتيجة جملة من المتغيرت والخيارات حيث لم يبقَ الزخم الناصري على حاله مع حلول اكثر من عاصمة على المساحات اللبنانية المتباعدة بين المكونات الحزبية والدينية جراء خلافاتهم المفتوحة التي تسمح للخارج بالتدخل في شؤونهم سواء من موقع الصديق او من زاوية مصالح الدول في بلد يحتل هذا الموقع على خريطة ساخنة وعلى مقاييس هزات سياسية وأمنية تلامس عتبة الانفجار وسط التفرج على سقوط الهيكل ومؤسساته.
رضوان عقيل – النهار