كتبت الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء “
ثمة محطة تستوقفك على وقع المواجهات العسكرية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية بين المقاومة وجيش العدو الإسرائيلي، تبدأ من أقصى القطاع الشرقي وقرى العرقوب الى القطاع الغربي وما بينهما قرى القطاع الأوسط.
لم يتفاجأ من يزور الجنوب وخاصة القرى الحدودية بحجم الدمار الذي حلّ بالأطراف الشرقية للقرى وخاصة المقابلة للمواقع الإسرائيلية.
ضريبة الحروب مزيد من الدمار ومعها مزيد من الدم الذي يعكس مدى التضحيات التي تقدمها المقاومة من جهة والمواطنون من جهة ثانية؛ إلّا ان عبارة ستعود أفضل مما كانت يعلو صداها مع من تسمعهم وتلاقيهم في القرى الأمامية وخاصة أصحاب البيوت التي طالها القصف وغارات الطائرات وغطرسة العدوان.
هذه العبارة تلخص لسان حال علي شيت (66 عاماً) ابن بلدة كفركلا، الذي آثر البقاء في بلدته رغم المخاطر التي تتربص بها ولا سيما انها تقع على بُعد مئات الأمتار من مستعمرة المطلة، يقول علي: «واقع الحال في المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة بات يشبه بمشهديته حرب تموز 2006، لكن الفارق الوحيد أن الدمار بقي محصوراً في منطقة المواجهة».
وكفركلا سجلت فيها نسبة الدمار على مدى خمسة أشهر 3% بين تدمير كلي وجزئي، هذا عدا عن الواجهة التجارية التي تبدأ من تل النحاس حتى بوابة فاطمة.
منذ خمسة اشهر وما يزيد، وتتعرض المنطقة الحدودية في جنوب لبنان لاعتداءات إسرائيلية، وغارات عنيفة، لم يخلُ يوم إلّا وترتكب فيه آلة حرب العدو جريمة بحق الحجر والطبيعة والبشر، كما لم تنقض ساعة من دون تحليق لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء القرى الحدودية، ما اضطر معظم السكان في قرى الحافة الأمامية لإخلاء منازلهم، وباتت بعض البلدات الحدودية شبه خالية من قاطنيها.
لم يكن إبراهيم عمار ليتجرأ على زيارة بلدته ميس الجبل قضاء بنت جبيل، الواقعة على الحدود مباشرة، لو لم يكن مضطراً لذلك. إنها ساحة حرب بكل ما تعنيه الكلمة، يقول إبراهيم متحدثا عن خوف يسيطر على المنطقة جراء القصف المتواصل، كما عن مشاهد الدمار الواقعة في المنطقة والتي تعيد التذكير بآثار حرب يوليو تموز 2006 التي دمرت فيها إسرائيل أحياء كاملة في بلدات ومدن جنوبية.
ويقول عباس رمال ابن بلدة العديسة ان المشهد يشبه مشاهد حرب تموز 2006. لا يختلف التدمير عن الحرب السابقة إلّا بتفصيل واحد، وهو أن الحرب لم تتسع من الشريط الحدودي إلى عمق يتجاوز خمسة كيلومترات، لافتاً إلى بيوت مدمرة بالكامل، وأخرى متضررة جراء القصف، وشوارع خالية ومتضررة، إضافة إلى بساتين محروقة وحقول مهجورة.
تبدو آثار القصف أكثر وضوحا، في عشرات القرى الامامية، في حين تقل عما هي عليه في بلدة العديسة ومركبا المقابلتين لمستعمرة مسكاف عام وموقع المرج. وأسفرت القذائف وصواريخ الطائرات التي أصابت المنازل عن تدمير محتوياتها، والحال يتماثل في بلدة الخيام، وهي أكبر البلدات الحدودية في القطاع الشرقي.
تقول مصادر ميدانية إن الغارات الجوية التي استهدفت المناطق المأهولة مسحت مربعات سكنية بالكامل و أدت إلى تدمير منازل بعدة طوابق بشكل نهائي، أما آثار القصف بالمسيّرات فواضحة في الكثير من المنازل والسيارات المحترقة التي تصادفها في المنطقة، فضلاً عن آثار القذائف المدفعية في البيوت.
في حولا يستوقفك مشهد الدمار في جهتي البلدة الشرقية المقابلة لموقع العباد والغربية المتصلة بوادي السلوقي.
يتحسر خليل اسماعيل من بلدة عيترون على ترك منزله الذي بناه كثمرة 15 عاما من الجهد والتعب، وقرر قضاء عمره في عيترون، القرية الأحب لقلبه، حيث يرعى مشتله الزراعي، ويعمل بمشاريع المزروعات والحدائق، لكنه اليوم أضحى واحدا من آلاف نازحي القرى الحدودية جنوب لبنان.
وفيما يعجز عن تفقّد مصير منزله تحت هول الغارات والصواريخ، أصبح خليل عاطلا عن العمل، ويفتش عن بديل قريب من مسكنه الحالي في بئر حسن ببيروت، ويقول أشعر بالضياع وعدم الأمان، خسرنا منازلنا وأعمالنا وذكرياتنا دفعة واحدة، وندفع ضريبة العيش بقرانا الحدودية نتيجة العدوان الإسرائيلي.
مصادر ذات صلة بفرق الكشف والمسح الميداني ومجلس الجنوب تفيد بان التقديرات غير النهائية: «بأن أكثر من 560 وحدة سكنية هدمت كليا، بينها 12 وحدة تقريبا هدمت بغارة واحدة لحي بعيترون، ويقدر المجلس أن هناك أكثر من 1780 وحدة تعرضت لهدم جزئي، مقابل وجود نحو 6 آلاف وحدة سكنية تعرضت لأضرار طفيفة أو بليغة، ورصدوا حرق وتلف نحو 25 مزرعة، ودمارا لآليات وجرافات زراعية وأكثر من 200 مركبة. وتقول هذه الاوساط بأنها تستقي معلوماتها يوميا من البلديات، مرجحة أن تكون الأضرار أضعاف المذكورة، بسبب صعوبة الوصول للقرى الحدودية الأمامية، مثل عيترون وعيتا الشعب وبليدا وغيرها من الواقعة بين الشريط الحدودي والخط الأزرق.
وكلما تقدمت جنوب الحافة اللبنانية – الفلسطينية تصادفك اما انفجارت قذائف مدفعية او دخان غارة إسرائيلية.
ويتشابه المشهد في قرى عيترون وبليدا ومارون الراس ويارون وحولا وعيتا الشعب، كذلك يتشابه المشهد في قرى القطاع الغربي مثل يارين، ومروحين، طير حرفا، الجبين والضهيرة. وتقول المصادر إن الغارات الجوية في المناطق الحرجية أكثر عنفا، بدليل الدوي الهائل الذي يترافق مع انفجارها، لكن السكان لا يستطيعون معاينتها ولا تظهر معالمها كما في داخل القرى أو على أطرافها، بالنظر إلى أنها خالية من السكان.
هذا على الطرف اللبناني، أما في جانب الأراضي الفلسطينية المحتلة فالمعادلة واضحة، حجم هائل من الدمار الذي حل بالعديد من مساكن المستوطنين على مغتصبات فلسطين. فمعادلة المنزل بالمنزل حققت اهدافها في العديد من مستعمرات الاحتلال من المطلة الى مارغليوت وكفر جلعاد وكريات شمونة والمنارة والمالكية وصولا الى شلومي، هذا عدا عن حجم الخسائر في تجهيزات الاحتلال على امتداد جبهة المواجهة؛ اضافة الى المواقع التي باتت أثراً بعد عين.
وهذا ما تجلّى من الصرخة التي أطلقها مسؤولو المجالس الاقليمية لهذه المستوطنات حول حجم الخسائر المادية، ولا سيما ان شمال فلسطين يعد من أهم ابواب الدخل المالي للخزينة الإسرائيلية، ومعامل الانتاج والأماكن السياحية، وهذا لم يكن ليحصل لولا قواعد الردع والاشتباك التي يخوضها حزب الله مع جيش العدو الإسرائيلي في المنطقة، صحيح انها معركة ضمن قواعد اشتباك مدروسة وتحركات محسوبة بدقة؛ إذ تتبدل الذخائر التي يستعملها الحزب، بعد الغارات الجوية، مثل إعلاناته عن استخدام صواريخ البركان التي تعد عبوة طائرة بزنة تتراوح بين 300 و500 كيلوغرام، وتتحول نوعية الذخائر إلى الصواريخ الموجهة في مقابل الصواريخ التي تطلقها المسيّرات، فضلاً عن استخدام قذائف الهاون في الرد على القصف المدفعي الإسرائيلي. وينسحب هذا التفصيل على المدى الجغرافي؛ إذ يعلن في بياناته عن استهداف مواقع في العمق، أو مستعمرات إسرائيلية في مقابل قصف المناطق المأهولة، وسط توسع طفيف ومحدود للنطاق الجغرافي للعمليات.
من هنا يتبيّن ان ثمة معادلة حقيقية باتت بوجه الاحتلال كسدٍ منيع من توسيع اعتداءاته رغم تجاوزها المساحة الجغرافية كالذي حصل في بعلبك والغازية والتي استتبعت ردّا تناسب معها في عمق الأراضي المحتلة.