بَدت زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا الى الإمارات العربية المتحدة وكأنها أتت من خارج «الصندوق» أو السياق العام، ما حوّلها مادة دسمة للنقاش الداخلي الذي تطوّر احياناً الى سجال بين مناصري الحزب ومعارضيه بفِعل التفسيرات المتضاربة لهذا التطور اللافت.
من هنا، خطفت مهمة صفا في دولة الإمارات الاضواء والاهتمام، ربطاً بما تحمله من دلالات ومؤشرات في مرحلة إعادة رسم «بورتريه» المنطقة.
ولئن كانت هذه الزيارة قد انطوَت على مفاجأة للكثيرين ربطاً بتاريخ العلاقة السيئة بين الطرفين، الا انها شكّلت صدمة للبعض، خصوصاً لدى جانب من خصوم «حزب الله» الذين آخر ما كانوا يتوقعونه هو ان تستقبل الامارات قياديّاً رفيع المستوى من الحزب في هذا التوقيت بالذات.
صحيح انّ مهمة صفا العابرة للحدود اندرجَت في إطار عنوان واضح يتصل بمعالجة قضية المعتقلين اللبنانيين في الامارات، لكن الصحيح أيضا انّ مفاعيلها، إذا نجحت، قد تتجاوز هذا الإطار الى ما هو أوسع، وإن يكن من السابق لأوانه الذهاب بعيداً في الاستنتاجات السياسية، كما فعل هواة المبالغات.
ولعل التمَكّن من إنهاء أزمة المعتقلين سيسمح متى حصل، وفق «المتحمّسين»، ببدء إعادة بناء الثقة وفتح المجال أمام الخوض في البحث السياسي الأشمل والأكثر تعقيداً، بينما يميل الواقعيون الى التقدير بأنّ التلاقي المُستجد هو موضعي فقط ويقتصر على جانب أمني مَحض لا يمكن تحميله ما يفوق طاقته.
والأرجح انّ «بازل» رحلة الحزب إلى الإمارات لن يكتمل قبل تجميع الأجزاء الناقصة الموجودة في جعبة صفا، وحتى ذلك الحين لا أحد في لبنان يملك الرواية الكاملة لما جرى سوى الامين العام السيّد حسن نصرالله و«الحاج وفيق».
بناء عليه، يلفت قريبون من الحزب إلى أنّ المستغرب هو ان تتدفّق المعلومات والاجتهادات من كل حدب وصوب، وكأنّ اصحابها رافقوا صفا في رحلته واجتماعاته، في حين انهم لم يكونوا أساسا على دراية بالزيارة وبالتحضيرات الصامتة لها في الكواليس السياسية والامنية.
وبمعزل عن النتائج المباشرة وغير المباشرة للتواصل العلني بين «حزب الله» وابو ظبي، غير انّ الأكيد انه كَرّس أكثر فأكثر الدور الاقليمي للحزب من جهة والانفتاح الإماراتي على كل المحاور في المنطقة من جهة أخرى.
كذلك، ظهر مرة أخرى انّ الحزب متمسّك بسياسة عدم التخلي عن المعتقلين أينما كانوا والتي يعتمدها منذ نشأته، كذلك تبيّن مجدداً انه يتحلى بمقدار من البراغماتية، يسمح له بإيجاد «تقاطعات» مع قوى هو على خصومة حادة معها، من غير أن يتنازل في الخيارات الاستراتيجية.
وتفيد المعلومات انّ هناك دعوة موجهة أيضاً من قطر الى الحزب كي يزور ممثلون عنه الدوحة الّا انه لم يقرر تلبيتها حتى الآن، وهذا ربما ما زاد من وَقع مفاجأة الزيارة للإمارات على قاعدة: «إنتظرناها من الشرق فأتت من الغرب».
ويلفت العارفون الى وجود علامات توحي بأنّ «حزب الله» يذهب شيئاً فشيئاً في منحى التعاطي المباشر مع الجهات الخارجية التي تربطه بها ملفات عالقة، من دون الاستعانة بأيّ وسطاء، ولهذه القاعدة استثناء وحيد يتمثّل في الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي.
وضمن هذا السياق، عُلم انّ تواصلاً بعيداً من الاضواء حصل خلال فترات متقطعة بين صفا وجهات مصرية وكويتية وفرنسية، أمّا الانفتاح المتبادل بين الاماراتيين والحزب فقد بدأ منذ نحو ستة أشهر بـ«مؤازرة» من الرئيس السوري بشار الأسد، الى أن تَكوّن لدى الطرفين اقتناع بأنّ الوقت حان لتطوير التواصل وتفعيله عبر زيارة صفا الى الإمارات.
وهناك سؤالان محوريان تُنتظر الإجابة عنهما معرفة ما حمله مسؤول «الارتباط والتنسيق» في حقيبته «الأمنية – الدبلوماسية» الى بيروت، وهما: ما هي النتائج التي سينتهي إليها مسعى الإفراج عن المعتقلين اللبنانيين؟ وماذا بعد معالجة هذا الملف، اذا تمّت، لناحية مستقبل علاقة الطرفين على المستوى السياسي وإمكانية «ربط النزاع» بينهما على الاقل؟
أما بالنسبة الى ما خَصّ تفسير مرونة الموقف الإماراتي حيال الحزب إلى درجة استقبال صفا، عقب مرحلة من العداء، فإنّ هناك من يعتبر انها تحمل مؤشراً إلى طلائع تعديل في نمط تعاطي ابو ظبي مع لبنان، قد يمهّد لبداية عودة سياسية الى الملف اللبناني بعد انكفاء.
عماد مرمل – الجمهورية