تحتدم المعارك الدينكيشوتية بين الأطراف السياسية، وتشتد حملات التراشق بالتعطيل والإستئثار من جهة، وإتهامات العمالة والتخوين من جهة ثانية، دون أن نسمع صوتاً واحداً من الأحزاب، أو من النواب، يُطالب بالحفاظ على حقوق المودعين، أو طرح برنامج لإعادة الودائع لأصحابها المنكوبين.
أربع سنوات مضت، والسلطة التنفيذية عاجزة عن إصدار تشريع يضمن عودة الأموال المنهوبة في المصارف إلى أصحابها، وبنفس عملة الإيداع، فيما التواطؤ مستمر بين السلطة النقدية، ممثلة بمصرف لبنان، مع المصارف لتذويب الودائع، وتنفيذ أقسى نسب الإقتطاع من قيمة الوديعة، عبر تعاميم صادرة عن الحاكم السابق رياض سلامة، من ١٥١ إلى ١٦٦، والنافذة في عهد الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، والتي ساهمت في تغطية «جريمة العصر»، وحماية السرقات المتمادية للمصارف والأزلام وعصابات السوق السوداء، حيث بدأ صرف الدولار في المصارف مقابل ثلاثة آلاف ليرة، ثم ٨ آلاف ليرة، وحالياً ١٥ ألف ليرة، فيما سعر المنصة التي إخترعها البنك المركزي نفسه، تم تحديده بـ ٨٦ ألف ليرة، وفي السوق السوداء ٨٩٧٠٠ ليرة. أي أن المصارف بالتواطؤ مع الحكومة والمركزي تسرق أكثر من ٧٥ بالمئة من قيمة الودائع، طوال السنوات الماضية، دون حسيب أو رقيب، وفي ظل صمت من نواب آخر الزمان، ودون رادع من شفقة أو ضمير تجاه المتقاعدين الغلابى، الذين وضعوا جنى عمرهم في البنوك، ووثقوا ببيانات رياض سلامة، وتطمينات كبار المسؤولين عن متانة الليرة، وقوة النظام المصرفي.
وفيما قانون الكابيتول كونترول بقي ضائعاً بين ساحة النجمة والسراي الكبير، منذ إندلاع الأزمة، وبينما التراشق بالمسؤولية مستمر بين وزارة المالية والبنك المركزي حول سعر تحديد الدولار المصرفي، لم تتورع الحكومة، ومعها مجلس النواب عن إصدار موازنة تعتمد سعر صرف السوق السوداء، وتفرض تسديد الرسوم والضرائب بالسعر المتداول في الأسواق للدولار، فقد بقي المودع يحصل على دولاراته بسعر النهب والسرقة من المصارف ١٥ ليرة للدولار الواحد، أي أقل ٦ مرات من حقه الطبيعي في الحصول على أمواله الشرعية كاملة.
والمشكلة الأكبر أن الدولة العلية تتمسك بمبدأ شطب الودائع وتحميل المودعين ،أصحاب الحقوق الشرعية بأموالهم، تداعيات أسوأ كارثة مالية عرفها العالم في القرن الواحد والعشرين، دون أن يُبادر أي من المسؤولين والسياسين، ومعظمهم مُتّهم بالتواطؤ، وتهريب أمواله إلى الخارج، إلى طرح خطة عادلة ومدروسة، لتوزيع قيمة الفجوة المالية، والمقدرة بأكثر من ٧٥ مليار دولار، بين الدولة الدائن الأكبر، والبنك المركزي المبدد لعشرات المليارات في هندسات مالية فاسدة ومريبة، والمصارف التي تعمل اليوم كالمنشار على هتك حقوق المودعين، وتكديس الملايين في الخارج، وبين كبار المودعين الذين إنجرفوا في لعبة المركزي وفوائد سنداته وهندساته العالية.
أحكام مجلس الشورى الأخيرة التي شددت على حق المودعين في الحصول على أموالهم كاملة، تستحق أن تكون في أصول الدعاوي القضائية بالجملة ضد المصارف، في لبنان والخارج، لإستعادة حقوقهم الشرعية بأموالهم، .. ولو كره الناهبون.
صلاح سلام – اللواء