الجمعة, نوفمبر 22
Banner

هل جاء “تاج” لينقذنا من مستنقع “باب الحارة” !؟

لا يوجد شك أن مسلسل “تاج” هو عمل تمثيلي فني ضخم يشكل نقلة نوعية في الدراما السورية، لا بل سينعكس تأثيره التقني والمهني في صياغة إنتاج المسلسلات الفنية على دول الشرق الأوسط والأدنى قاطبة.

مسلسل “تاج” من تأليف عمر أبو سعدة، وإخراج سامر البرقاوي، وإنتاج شركة الصباح للإنتاج الفني، يتم عرضه خلال هذا الشهر الكريم على قناة “MBC” وقناة الجديد وتطبيق “شاهد”.

يوثق المسلسل لمرحلة الأحداث التي حصلت في دمشق في حقبة أربعينيات القرن الماضي، قبل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي بسنوات قليلة.

تم تصويره في سوريا بلغت تكلفة إنتاجه ثمانية ملايين وخمسمائة ألف دولار. هذا الرقم هو الأعلى في تاريخ إنتاج المسلسلات السورية.

من خلال تصريح صادق الصبّاح منتج العمل كشف العديد من التفاصيل، لا سيما المتعلقة ببناء أحياء ومدن كاملة خاصة بمسلسل “تاج” لكي تناسب الفترة الزمنية التي يحاكيها المسلسل.

هذا العمل الفني من بطولة بسام كوسا وتيم حسن وكوكبة من الممثلين النجوم من سوريا ولبنان تشكل أحداثه ملحمة من الصعب تكرارها، ويحاكي قصة حب واستقلال وحرية.

في كل ما ذكر أعلاه هو عملية استعراض مختصرة كمقدمة لبعض المعلومات عن هذا المسلسل، بإمكان أي شخص أن يدخل إلى المواقع المختصة بالفن ويجمع أكثر منها، لست بوارد تقييم أداء الممثلين أو عرض أحداث حلقات المسلسل لكن ما دفعني للكتابة هو التوجه العام والأهداف المرجوة من هذا العمل الفني. ما أريد أن أركز الضوء عليه هو مقاربة مع مسلسل “باب الحارة” الذي عالج أحداث نفس الحقبة، ذلك الباب الذي أدخلنا بنفق الانغماس الأسوَد ومتاهة أوصلتنا لحارة الضبع وحارة أبو النار الإفتراضيتين بحسب شهادة مؤلفه. وأصبح متابعيه سجناء خلف أسوار هذا الباب الذي سبب ببناء ذهنية لبيئة معينة لدى شرائح من المجتمع السوري، كان لها تأثيرها المحرّض لخروج قوى إرهابية ساهمت بتدمير سوريا.

عند دخول الجيش الفرنسي مدينة دمشق محتلاً عام 1920 قام بإحصاء السكان والمهن والأماكن العامة، معتبراً أن هذه الأماكن مقر لتجمع الناس، يجب أن تراقب بشدة، وفيها مؤشر على مدى تطور الحياة المدنية والإجتماعية.

طبعاُ قام الفرنسيون بمقارنتها ببلاد أخرى كانوا قد حكموها من قبل، مثل: مالي، والمغرب، وتشاد، والنيجر، والجزائر، ووجدوا فرقاً شاسعاً بينها وبين دمشق.

القائمة تؤكد أن دمشق الحقيقية لم تظهر قط على شاشات التلفزيون وفي الأعمال الدرامية الكاذبة كـ “باب الحارة” وما شابهها.

لذلك نوجه التحية لمسلسل “تاج” الذي حررنا من هذا السجن وأخذنا إلى شوارع دمشق الحقيقية بالصالحية والحلبوني والشهبندر وأحياء القيمرية وباب توما وباب شرقي والزبلطاني والمزة وساحة المرجة وساحة الحجاز وأظهر الوجه الحضاري المتمدن للشام المتثمل بجامعاتها ومعاهدها ومدارسها التربوية ومستشفياتها ومبانيها الجميلة ودور السينما والمسرح والمقاهي والمطاعم والنوادي الرياضية ومراكز البريد والهاتف ومعارض السيارات والترامواي ومحطة القطار والذي أظهر النسيج المتنوع للشعب الممتد من ساحل الوطن السوري حتى الداخل مروراً بسهوله وجباله وأوديته متجسدة بوحدة قومية همها الأول تحرير أرضه من الاحتلال الفرنسي.

يكفينا رقي ووطنية في هذا العمل ما كتب على اليافطات التي رفعت أثناء التظاهرات ضد الإحتلال “سورية للسوريين” و “نموت ليحي الوطن” بدلاً من شعار “التار ولا العار” في ذلك المسلسل البائد.

أكتب اليوم عن هذا العمل وهو ما زال في منتصف عرض حلقاته لأنه لا يهمني ما ستنتهي إليه هذه الأحداث بقدر ما يهمني النمطية والبصمة الحضارية التي سيرسخها هذا المسلسل في خلفية اللاشعور بأذهان مشاهديه ليجسد الصورة الحضارية الحقيقية لتلك الحقبة التاريخية.

نأمل من القيمين على المدن والأستديوهات التي أنشأت لأجل تمثيل مشاهد مسلسل “تاج” أن تبقى أبوابها مفتوحة لتصوير مسلسلات هادفة مشابهة، وقفل باب تلك الحارة إلهمجية التجهيلية إلى الأبد.

من المؤكد بعد هذا النجاح والإقبال لحضور مسلسل “تاج” أنه سيخطفنا خلفاً إلى 29 سنة مضت ليذكرنا بحالة منع التجول الذي فرضها وقتها مسلسل “الجوارح” على الشارع السوري وتسمّر الناس أمام شاشات التلفزة ليتابعوا بكل شوق ولهفة مجريات الحلقات الأخيرة منه.

وأخيراً سؤال يطرح نفسه على من شاهد وتابع هذا المسلسل وهو كم من خياط تقارير وعميل أمثال “رياض بك الجوهر” زرعته سلطات الإحتلال منذ خروجها من بلادنا وحتى الآن.

وسام الاسعد – الديار

Leave A Reply