كتبت الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء “
مرة جديدة تبرهن «إسرائيل» أنها كيانٌ خارج عن كل الأعراف والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وأنها مستمرة بالضرب بعرض الحائط كل ما يؤدي إلى تقليص هيمنتها وهمجيتها بحق الشعب الفلسطيني.
ورغم أن قرار مجلس الأمن الأخير بوجوب الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وما حمله من امتعاض دولي حيال سلوك القيادتين العسكرية والسياسية الاسرائيلية، إلّا أن ما يمكن قراءته هو أن ثمة تحوّلا حقيقيا واضحا في الموقف الأميركي؛ حيث ظهر التباين لأول مرة منذ قيام هذا الكيان، بين رئيس الولايات المتحدة «جو بايدن» ورئيس حكومة الاحتلال «بنيامين نتنياهو». ولعل أبرز ما يؤشر عليه هذا التناقض في مقاربة الحرب على غزة هو ما بات معلنا من مواقف مباشرة وغير مباشرة بين الرجلين وإدارتيهما.
لكن في قراءة أخرى، ثمة من يرى أن مسرحية الجفاء الأميركية – الإسرائيلية تنطوي على عكس ما فهمته الأوساط العامة، ولا سيما أن الولايات المتحدة ما زالت الداعم الرئيس بالسلاح للكيان الغاصب؛ وما شحنة الأسلحة الأخيرة إلّا دليل على مساحة التصرف، وإعطاء الضوء الأخضر حتى لاجتياح رفح.
مصادر متابعة تقول: إنه مع إظهار الإدارة الأميركية الحالية أنها لم تعد تحتمل المد والجزر مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان لا بد من إبقاء إطار التأثير باردا وغير زاجر في مسألة تصعيد العلاقة إذا اقتضى الأمر. وعلى الرغم من كل التطمينات والضمانات التي أعطيت لنتنياهو كي يسير بالخطة الأميركية الموضوعة، اختار على ما يبدو، أن يستمر في تمرّده، انطلاقا من يقينه أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على وقف إمداداتها العسكرية لـ«إسرائيل». وربما استند نتنياهو في ذلك على قاعدة، أنه لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يقدم على هذه الخطوة، ما لم يرغب في تعريض مسيرته السياسية للخطر؛ وهنا تكمن القدرة المباشرة للوبي اليهودي في التأثير على مستقبل المتنافسين لسدة رئاسة الولايات المتّحدة.
من هنا يتضح أن كل حكومات الكيان تعتبر حجر الرحى التي تتكئ عليه في تجاوزها القوانين الدولية، هو الموقف الأميركي إما بالفيتو أو بالامتناع عن التصويت ضد «إسرائيل» في أي ظرف من الظروف.
المصادر نفسها رأت أن الرئيس الأميركي جو بايدن، لم يخرج من درج البيت الأبيض كل القرارات، بدليل أنه تماهى مع تجاوز «إسرائيل» قرار مجلس الأمن، سيما ما تعلق بشحنة الأسلحة والمساعدات العسكرية اللوجستيّة. حيث بقيت على حالها وهذا يصب حصرا في خانة الأمور السياسية والدبلوماسية. فكان التغاضي عن استعمال الفيتو في القرار المقدم لوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان. مسرحية اتبعها بإجراء شكلي عبر امتناعه عن استقبال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بعد استقبال مماثل قبل نحو شهر للوزير بيني غانتس، في إشارة واضحة إلى أن تعنت نتنياهو وتمرّده يحظى بدعم أميركي ضمني.
خلاصة القول: ما تقوم به دولة الكيان الإسرائيلي يدلّ بوضوح أنها غير آبهة بمجتمع دولي أو رأي غربي أو «عربي»، وتتصرف على أنها خارج هذا الكوكب. وما التملص من القرارات الأممية السابقة إلّا دليل على ذلك، دون أن تعير أي اهتمام لمجلس الأمن الدولي أو لأية هيئة أممية، على قاعدة المثل الشعبي الذي يقول: من فرعنك يا فرعون، قال: لم أرَ أحدا ردّني أو منعني.
لذلك باتت هذه المحافل الدولية غير صالحة للاستمرار، ولا تمثل المرجع الصالح لفض أي نزاع دولي، والعبرة ظاهرة بالأداء الإسرائيلي. فهل بات من الضروري أن يبحث العالم عن مرجعيات أخرى لا تتأثر بالهيمنة الأميركية والتصلّف الإسرائيلي؟