على أجندة سفراء المجموعة “الخماسية” في بيروت سلسلة مواعيد مع رؤساء الكتل النيابية ولقاءات مع نواب مستقلين بدأت أمس بغية بلورة مخرج في محاولة جديدة للتوصل الى تعبيد الطريق الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية لا يبدو ان موعدها سيحل قريبا رغم تلمّس بعض الاشارات الايجابية التي من المبكر البناء والتعويل عليها. ولا يمكن فصل هذا الاستحقاق بسهولة عن كل ما يدور في المنطقة من غزة الى جنوب لبنان وصولا الى طهران التي تترقب بدورها بعناية وحذر شديدين ما ستقدِم عليه تل أبيب بعد وصول عدد من المسيّرات والصواريخ الايرانية الى الاراضي الاسرائيلية في مشهد ما زال يحبس انفاس المعنيين واكثر من عاصمة في المنطقة والعالم.
ويُسقط سفير تتمثل دولته بقوة في “الخماسية” أحداث المنطقة على مسرح لبنان، علما ان اكثر من كتلة في مقدمها “حزب الله”، الى الرئيس نبيه بري، لا تربط المواجهات العسكرية في الجنوب بعملية انتخاب رئيس الجمهورية اذا توافرت الاجواء المؤاتية للاستحقاق.
وفي موازاة التعقيدات اللبنانية التي تعترض “الخماسية” منذ ما قبل عدوان اسرائيل على غزة، يتابع ممثلوها في بيروت لقاءاتهم مع الكتل والتأكيد على جملة من المسلّمات من بينها عدم تبنّي أي من اسماء المرشحين ولا المساهمة في شطب اي منها على اعتبار ان هذا الامر هو من حق الكتل النيابية ولو لم تكن الصورة مثالية الى هذه الحدود. ولذلك يستكمل السفراء جولاتهم بعد عودتهم من اجازاتهم واتمامها قبل توجه السفيرة الاميركية ليزا جونسون في زيارة الى بلدها. ويركز سفير في “الخماسية” يشارك في الجلسات مع الكتل على جملة من النقاط:
– يعرف الاعضاء مسبقا ان مهمة المجموعة شاقة جدا وتعترضها شروط و”فيتوات” متبادلة بين الكتل، فضلاً عن فقدان عامل الثقة في ما بينها وعدم تحسسها خطورة التعايش وادارة البلد ومؤسساته على هذا الشكل وسط كل هذه العواصف.
– مهما فعلت المجموعة وساهمت في تقريب المسافات، فان انتاج عملية الانتخاب يجب ان يكون صناعة لبنانية مهما استمرت الكتل في خلافاتها، مع ملاحظة انه في منتصف أيار المقبل يكون البرلمان قد قطع النصف الاول من دورته الحالية.
– ينفي اعضاء المجموعة وجود خلافات في صفوفها، ولو ان الدفع بعملية الانتخاب ليس على وتيرة واحدة إذ تختلف بين عاصمة واخرى، وان لا صحة للحديث الدائر عن تباعد بين واشنطن وباريس حيال الملف الرئاسي، والدليل على ذلك ان قنوات التواصل مفتوحة بين كبير المستشارين في البيت الابيض آموس هوكشتاين والموفد الفرنسي جان – إيف لودريان. وتفيد المعلومات ان الاخير سيزور واشنطن في وقت قريب. وثمة مبالغة لبنانية عند التطرق الى وجود حساسية شديدة بين الطرفين، ولو انهما لا يلتقيان بالكامل على مقاربة واحدة في شأن الاستحقاق الرئاسي. واذا كان هذا هو التوجه لدى اعضاء “الخماسية” وما يعملون على اجتراحه في الايام المقبلة التي “تتساقط” من روزنامة البرلمان المعني بالواجب الدستوري لانتخاب الرئيس، فان ممثلي تلك الدول يلعبون في الوقت الضائع الذي يتكبد اللبنانيون آثاره القاتلة على مستقبلهم ومصير مؤسساتهم وحياتهم اليومية. ولا يخفي الاعضاء حجم الارباك الذي يواجهونه جراء عدم تزحزح الكتل عن الشروط التي ترفعها. وعلى سبيل المثال فان ما رفضه “حزب الله” قبل الاشهر الستة الاخيرة وعدوان اسرائيل على غزة هل سيقبله اليوم، ويتنازل بسهولة عن المرشح سليمان فرنجيه؟ والامر نفسه ينسحب على “القوات اللبنانية” التي ترفض السير بانتخاب فرنجيه الى جانب العونيين وحزب الكتائب وكتلة “تجدد”. وما لم يتحقق قبل الحرب على المستوى الرئاسي هل يمكن توفيره اليوم بعد تصاعد الاخطار في المنطقة والتي تتفاقم اكثر بين اسرائيل وايران؟
هذا النوع من الكلام يدفع الى التساؤل: هل سيؤدي انتخاب رئيس للبلاد الى علاج كل ازمات الداخل والتحديات الخارجية، واين موقع لبنان في المرحلة المقبلة؟
وعلى اهمية التوصل الى انتخاب رئيس لاعادة الروح الى المنطقة، فان هذا الامر لا يكفي اذا لم يقترن مع سلة من المشاريع.
كل هذه الافكار والطروحات حضرت مع ديبلوماسي غربي جاء الى بيروت على مسمع سفير بلاده ونائب حيث لا ينفي الارباك القائم مما يدور في غزة وايصال رئيس الى قصر بعبدا والتوقف عند المسافة القريبة بين المكانين حيث يتم البحث بين الدول المعنية في المنطقة عن امكان بلورة انضاج سلة من المخارج برعاية واشنطن اولاً وسط كل التحديات السياسية والامنية في المنطقة. ومن الاقتراحات هنا التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة ومحاولة التأكيد على التوجه الى حل الدولتين، مع ملاحظة ان اكثر من دولة غربية تؤيد هذا الطرح القديم – الجديد منها بريطانيا، علما ان الادارة الديموقراطية في البيت الابيض لم تحسم موافقتها على هذا الامر ربطا بانعكاسه على الانتخابات الرئاسية في وجه الجمهوريين بزعامة دونالد ترامب. ومن غزة الى لبنان يمكن السير في آن واحد. ومن بنود السلة المشار اليها العمل على تثبيت مندرجات القرار 1701 مع تثبيت ضمانات تقضي بعدم تفلّت الامور نحو المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية مع اسرائيل.
وبالعودة الى السفير المشارك في جولات “الخماسية”، فقد توصلت بلاده الى ان طهران لم يكن في مقدورها إلا الرد على اسرائيل بعد استهداف الاخيرة القنصلية الايرانية في دمشق، وان الوقائع الاخيرة اظهرت بالملموس ان اميركا هي “سيدة المنطقة” وان الجميع يتقرب منها ويطلب ودها السياسي، وخصوصا من ابرز لاعبَين في الاقليم هما اسرائيل وايران.
رضوان عقيل – النهار