بعد المواجهة العسكرية العنيفة بين ايران واسرائيل مؤخراً، عاد الزخم الى الجهد الدبلوماسي العربي والدولي لحصر التصعيد في إطاره «المدروس» الذي حصل، وهو الأمر الذي انعكس على لبنان فوراً عبر لقاءات ومواقف دولية، كان أبرزها لقاء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بوزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن والموفد الاميركي آموس هوكشتاين، والذي تركّز بالدرجة الاولى على تجدد مساعي تهدئة الجبهة الجنوبية.
في الرد الايراني على قصف اسرائيل للقنصلية في دمشق، كان لجبهة جنوب لبنان دور محدود كاد ان يكون عادياً بإشغال الحكومة والجيش في إسرائيل عبر ليلة من الصواريخ على الكثير من المواقع والثكنات والقواعد العسكرية، بحيث اعلنت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن سقوط اكثر من مئة صاروخ في اراضي فلسطين المحتلة ليلة السبت – الاحد الماضية، وهو عدد تجاوز بقليل عدد الصواريخ التي كانت تطلقها المقاومة من لبنان، بمعدل بين 60 الى أقل من 100 صاروخ في اكثر المواجهات حدة وسخونة التي كانت تحصل احياناً.
هذا «الإشغال» انتهى فور وقف الرد الايراني وعادت وتيرة المواجهات في الجنوب الى سابق عهدها، قصف وغارات من هناك وردّ من هنا على مواقع وتجمعات عسكرية، وهو ما أسهَم في التفرّغ أكثر لاحقاً لتكثيف الجهد الدبلوماسي، سواء من لبنان عبر اتصالات ولقاءات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، أو حركة السفيرين الفرنسي والاميركي في بيروت، عدا ما جرى بين عواصم الدول المعنية بالوضع اللبناني حول التهدئة في الجنوب.
وكان هناك جهد دولي واميركي بشكل خاص بهدف ثَني اسرائيل عن رد الضربة لإيران لمنع توسّع المواجهات اكثر في المنطقة، لكن تبيّن لاحقاً انّ ثمة تغييراً في الموقف الاميركي عَبّر عنه أمس المتحدث بإسم البيت الأبيض جون كيربي بقوله: «نحن لسنا مُنخرطين في عملية صنع القرار في إسرائيل بالنسبة الى ما يتعلق بالرد ضد إيران. وستقرر الحكومة الإسرائيلية بنفسها ما إذا كانت سترد وكيف سترد»! وقد فسّرت اوساط دبلوماسية لبنانية هذا الموقف بأنه بمثابة تراجع عن «الضوء الاحمر» بوجه اسرائيل واستبداله «بالضوء الاصفر»، ما يعني انّ الامر متروك لما تقرره اسرئيل حول الرد وحجمه ونوعيته، وهو أمر يثير القلق لأن احداً لا يستطيع التكهّن بالمدى الذي يمكن ان يبلغه رئيس حكومة الحرب الاسرائيلية بنيامين نتانياهو وأركانه، مع انّ المعلومات تشير الى انّ التقديرات الاسرائيلية توحي بردّ غير كبير بل مركّز على اهداف عسكرية محددة أسوةً بالرد الايراني الاول.
وبغضّ النظر عمّا ستسفر عنه الاتصالات الدولية لِثَني اسرائيل عن رد الضربة الصاروخية الى ايران، فإنّ زخم الحراك الدولي تجاه لبنان انصَبّ على اعادة تحريك ملفّي جبهة الجنوب والاستحقاق الرئاسي، مع انّ المعطيات ما زالت تَشي بأنّ الحلول ليست في متناول اليد حالياً، بل ان الجهد مُنصب على إيجاد مقاربات جديدة مقبولة لتحقيق اكبر قدر ممكن من ضبط النفس العسكري والتوافق السياسي اللبناني الداخلي. ومع ذلك لا احد يمكن ان يضمن كيفية انعكاس اي ضربة اسرائيلية لإيران على وضع المنطقة كلها وبخاصة على لبنان، لا سيما انّ اسرائيل أكدت انها سترد الضربة وانّ سلاح الطيران استعَدّ، واعتبرت وسائل الاعلام العبرية «أنّ الرد الإسرائيلي سيحدث بطريقة من المرجّح ألا تؤدي إلى جَر المنطقة إلى حرب، ويمكن أن يقبلها الأميركيون، لكنّ الرد لن يتم بالضرورة بتنسيق كامل مع الأميركيين، لكنه سيكون استجابة تَتوافَق مع القواعد التي يضعونها». امّا ايران فأكدت مراراً على لسان كبار مسؤوليها انها ستردّ على أي ضربة اسرائيلية بضربة اكبر من الضربة الماضية.
لذلك، تشير المصادر الدبلوماسية الى انّ الاتصالات اللبنانية بدول العالم مستمرة من ضمن مسعى لبنان لمنع توسّع الحرب، لكن الخشية من انّ أي رَد اسرائيلي على ايران سيَستتبع حُكماً رداً مماثلاً، ما يعني بقاء المنطقة ضمن دائرة التوتر الذي ينعكس بدوره على لبنان استمراراً للتوتر السياسي والعسكري.
غاصب المختار – الجمهورية