سبق ونشرنا بتاريخ ٢٠٢٠/١٢/١٩ دراسة بعنوان الأصول الدستورية لملاحقة رؤساء الحكومة والوزراء، وذلك في ضوء قرار المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، بشأن إدعائه على الرئيس حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، وأوضحنا الأصول والإجراءات التي يجب اتباعها في ملاحقة رؤساء الحكومة والوزراء في حال إخلالهم بالواجبات الوظيفية، خاصة وأن القاضي صوّان بنى إدعاءه على جرم الإهمال الوظيفي.وحددنا الجهة المختصة بتوجيه الإتهام اليهم(المجلس النيابي) في حال إخلالهم بهذه الواجبات، والجهة المختصة بمحاكمتهم(المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء)، ومن أجل التكامل في معالجة الإشكاليات المطروحة على هذا الصعيد، تطرح تساؤلات عديدة فيما يتعلق بالنائب: ما أهمية الحصانة التي يتمتع بها؟ هل يمكن ملاحقته جزائيآ؟ كيف تتم الملاحقة؟ من هي الجهة المختصة؟
عند الحديث عن مسألة الحصانة الجزائية للنائب يجب التمييز بين حالة اللامسؤولية المطلقة، وبين الحصانة الجزائية أو الحرمة الشخصية.
ورد في المادة 39 من الدستور أنه لا يجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء التي يبديها مدة نيابته. وهذه الآراء قد تصدر عن النائب قولاً أو كتابة، داخل البرلمان أو خارجه، حتى ولو تضمنت قدحاً أو إهانة، لكن عدم مسؤولية النائب الجزائية عما يبديه من آراء لا تحول دون مساءلته تأديبياً أمام المجلس عندما ينتهك القواعد التي تنظم سلوك النائب أثناء جلسات المجلس، كذلك فإنها لا تمنع المتضرر من هذه الآراء من رفع الدعوى المدنية ضد النائب الذي صدرت عنه لمطالبته بالتعويض، في حال تعرّضها لكرامة أحد الأشخاص من خلال إهانته أو التجريح به أو توجيه تهم غير صحيحة ضده.
ونشير هنا إلى أن عدم مسؤولية النائب الجزائية تمتد إلى ما بعد انتهاء مدة نيابته، بحيث لا يجوز رفع دعوى جزائية بحقه بسبب الأفكار والآراء التي أبداها خلال نيابته.
فيما يتعلق بالحصانة الجزائية تنص المادة 40 من الدستور على ما يلي: “لا يجوز في أثناء دور الإنعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس، ما خلا حالة التلبس بالجريمة”، نستنتج من هذه المادة أنها تتضمن ثلاث حالات وهي: حالة وجود المجلس في دور الإنعقاد، حالة وجود المجلس خارج دور الإنعقاد، حالة الجرم المشهود.
أولاً: حالة وجود المجلس في دور الإنعقاد
عندما يكون المجلس منعقداً لا يجوز ملاحقة النائب جزائياً أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس، فما هي الإجراءات الواجب اتباعها للحصول على طلب إذن المجلس برفع الحصانة؟
١) يقدّم طلب الإذن بالملاحقة وزير العدل مرفقاً بمذكرة من المدعي العام التمييزي يذكر فيها نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وتشتمل على خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة.
٢) يقدّم الطلب إلى رئيس المجلس الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة المشتركة أن تقدم تقريرها في مهلة أقصاها أسبوعان.
٣) يتوجب على المجلس عند قيامه بالبحث في طلب رفع الإذن، أن يستمر في مناقشته حتى البت نهائياً بالموضوع، ويتخذ قرار رفع الحصانة بالأكثرية النسبية.
٤) إن الإذن الممنوح من المجلس لملاحقة النائب المعين، هو ذو مفعول حصري، يتعلق فقط بالفعل الجرمي المحدد في طلب رفع الحصانة.
-هل تحقق في لبنان حالة رفعت فيها الحصانة عن نائب ما وتمت ملاحقته جزائياً ومحاسبته عن أفعال جرمية ارتكبها؟
شهد لبنان ثلاث حالات تم فيها رفع الحصانة النيابية، الأولى في العام 1952 حين اتُهم النائب رفعت قزعون بقتل أحد الصحافيين، وفي العام 1994 رُفعت الحصانة عن النائب يحيى شمص لإتهامه بالإتجار بالمخدرات، فأصدرت محكمة الجنايات في بيروت بتاريخ 12/6/1996 حكمها بسجنه أربع سنوات، وبقي في السجن إلى حين صدور قانون عفو عام عن جرائم المخدرات، والثالثة في العام 1999 عندما رُفعت الحصانة عن النائب حبيب حكيم لإتهامه بإهدار المال العام في قضية محرقة برج حمود.
ثانياً: حالة وجود المجلس خارج أدوار الإنعقاد
عالجت المادة 40 من الدستور الملاحقة الجزائية للنائب عند ارتكابه لجرم جزائي وكان المجلس النيابي في حالة انعقاد، فاشترطت الحصول على إذن المجلس من أجل ملاحقته، إلا إذا ارتكب جرماً مشهوداً، لكن ما هو الحل عندما يكون المجلس خارج أدوار الإنعقاد؟
تطرقت إلى هذه المسألة المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس التي ورد فيها:”إذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الإنعقاد أو قبل انتخابه نائباً، تستمر الملاحقة في دورات الإنعقاد اللاحقة دون حاجة إلى طلب إذن المجلس، ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها، وللمجلس الحق بأن يقرر عند الإقتضاء، بناءاً على تقرير الهيئة المشتركة المشار إليها في المادة (100) وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً أثناء الدورة إذا كان موقوفاً وذلك إلى ما بعد دور الإنعقاد”.
يمكننا أن نستلخص من نص المادة 97 المذكورة ما يلي:
إن القضاء ليس ملزماً بالحصول على إذن المجلس، بعد بدء دورة الإنعقاد، من أجل متابعة ملاحقة نائب معين:
-إذا ارتكب جرماً مشهوداً.
-إذا تمت ملاحقته خارج دورة الإنعقاد.
-إذا حصلت ملاحقته قبل انتخابه نائباً.
عندما تتم ملاحقة النائب في إحدى هذه الحالات، بإمكان المجلس أن يتخذ قراراً بوقف الملاحقة مؤقتاً خلال دورة الإنعقاد اللاحقة لملاحقته، وذلك إلى ما بعد انتهاء هذه الدورة.
إذا كان قد صدر بحق النائب حكماً نهائياً خارج الدورات، فلا يحق للمجلس خلال دورات الإنعقاد اللاحقة وقف تنفيذ الحكم إلى ما بعد دور الإنعقاد، لأنه في هذه الحالة تصبح الحصانة في حكم العدم، بسبب صدور حكم قضائي نهائي يثبت ارتكاب النائب للفعل الجرمي المتهم به.
ثالثاً: حالة الجرم المشهود
في حالة الجرم المشهود تسقط حرمة النائب الشخصية، وتجري الملاحقة بحقه حتى ولو كان المجلس في دور انعقاد ودون الإستحصال على إذن من المجلس، وتعرف المادة 36 من قانون العقوبات الجرم المشهود بما يلي: الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال فعله أو عند نهاية الفعل، ويلحق به أيضًا الجرائم التي يقبض على مرتكبها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنهم فاعل الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم.