بينما كان يزداد زخم الحراك الاميركي – الفرنسي لتهدئة الجبهة الجنوبية، وَسّع العدو الاسرائيلي اعتداءاته على قرى الجنوب من الحد الحدودي الى شمال نهر الليطاني، في تجاوزٍ جديد وبعيد عن الحدود للقرار 1701، حيث استهدف الطيران أمس سيارة على طريق أبو الاسود – الزهراني ما أدى الى سقوط شهيد للمقاومة. وهو ما يوفّر الأسباب الاضافية لتعثّر المسعى المبذول.
من المعلوم انّ المنطقة التي استهدفها الطيران المعادي أمس، تبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة اكثر من 40 كيلومتراً، وعن نهر الليطاني شمالاً بين 10 الى 15 كلم. وصحيح انها ليست المرة الأولى التي تقصف فيها اسرائيل اهدافاً في العمق اللبناني كمناطق البقاع والنبطية والغازية والزهراني واعالي اقليم التفاح وجبل الريحان ومناطق اعالي جزين، عدا اغتيال مسؤول حركة «حماس» صالح العاروري في الضاحية الجنوبية قبل اشهر. وصحيح انها تستخدم اجواء لبنان للإعتداء على سوريا، لكنّ للمنطقة المستهدفة امس شمال نهر الليطاني رمزية سياسية وعسكرية يريد كيان الاحتلال من خلال هذه العملية واغتيال كادر في المقاومة فيها، إيصال «رسالة صاروخية» سياسية وعسكرية لكل الاطراف، «بأنّ أي حل يعمل عليه الاميركي والفرنسي لوقف التصعيد في جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، يجب ان يأخذ بعين الاعتبار انّ شمال الليطاني هو الحد المقبول منه لِوقف قصف المستوطنات الاسرائيلية وطمأنة المستوطنين الى إمكانية العودة لمنازلهم واعمالهم، عدا عن انها الوسيلة الفضلى لإراحة جيش الاحتلال من ضغط المواجهات وخسائرها البشرية والمادية الكبيرة في جبهة لبنان».
هذه الغارة في المعنى السياسي تحمل أبعاداً كثيرة، فهي تأتي وسط التنسيق الاميركي – الفرنسي حول ورقة العمل التي قدمتها باريس لوقف التوتر في جبهة الجنوب، والتي أدخلت عليها فرنسا تعديلات تعتقد انها ستكون مقبولة من جانب «حزب لله»، حيث تفيد المعلومات انها أسقطت من آليات تنفيذ الورقة بند «انسحاب قوات المقاومة الى شمال الليطاني»، كما طلبت اسرائيل، وكما اقترح الموفد الاميركي آموس هوكشتاين سابقاً، وتمّ رفض طلبه فوراً خلال زياراته الاخيرة الى بيروت.
وبما انّ اسباب الرفض الاخرى ما زالت قائمة، وأوّلها وقف العدوان الاسرائيلي على غزة ووقف مخطط تهجير الفلسطينيين من القطاع، ووقف الخروقات والاعتداءات الاسرائيلية المتمادية لأجواء لبنان وأراضيه وبحره، فإن ما تردد عن زيارة قريبة لهوكشتاين الى بيروت نَفته اوساط عين التينة التي قالت لـ«الجمهورية»: «يبدو ان هناك خطأ في المعلومة التي تم تسريبها عن زيارة قريبة وقصيرة له الى بيروت فلا جديد استجَد». وقد تبيّن فعلاً ان لا جديد لدى هوكشتاين ليقدّمه الى لبنان بشقّيه الرسمي والمقاوم، لا سيما لجهة رفض اسرائيل البحث في مصير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج الماري – الغجر التي تحتلها اسرائيل، خلال المفاوضات المرتقبة التي طرحها الموفد الاميركي حول البَت في تثبيت الحدود على النقاط التي يتحفّظ عليها لبنان عند الخط الازرق.
تعلم اسرائيل انّ الغارة على منطقة ساحلية شمال الليطاني واغتيال كادر للمقاومة بين صور والزهراني، وقريباً من مدينة صيدا عاصمة الجنوب، لن يمر مرور الكرام عند المقاومة، التي ردّت الضربة بضربة قوية استهدفت قاعدتين للاحتلال لأهمّ وحدتين في جيشه في صفد (لواء غولاني ووحدة إيغوز او الجوزة)، كما فعلت بعد الاعتداءات الاخيرة التي استهدفت قرى حدودية بغارات عنيفة أدّت الى سقوط شهداء وتدمير كبير في الاحياء السكنية. ولعلّه أمر تريده اسرائيل لمنع اي بحث في تهدئة الجبهة قبل تحقيق ابرز شروطها المتمثّل بعدم وجود عناصر المقاومة قريباً من الحدود.
لكن المعضلة التي تواجه اسرائيل، والتي اقتنع بوجودها هوكشتاين والموفد الفرنسي جان ايف لودريان، تتمثّل في انّ الاغلبية الساحقة من المقاومين الموجودين عند الجبهة الجنوبية هم من ابناء الجنوب، وقلة قليلة جداً منهم من مناطق اخرى خارج الجنوب. لذلك، بَدا انّ الطلب من ابناء الجنوب المقاومين ترك قراهم ومنازلهم امر غير منطقي وغير قابل للتطبيق، فهم ابناء الارض.
على هذا، تفترض الوقائع الميدانية المتغيرة كل يوم تقريباً، لجهة توسيع مساحة عمليات اسرائيل العسكرية في لبنان، وحجم عمليات المقاومة واهدافها وانواع الاسلحة التي تستخدمها، وآخرها استعمال صورايخ ارض – جو لإسقاط المسيرات الاسرائيلية الكبيرة كطائرة «هيرميز 450» الحديثة والفعّالة، ان يبحث الموفدان الاميركي والفرنسي عن ورقة عمل جديدة مختلفة كلياً عن الورقة السابقة التي تم إدخال تعديلات بسيطة عليها. ولعل المدخل الصحيح لهذا الأمر يكون أوّلاً بممارسة ضغط اميركي وفرنسي حقيقي سياسي وعملي على اسرائيل للتجاوب مع مطالب لبنان المشروعة، والاعلان عن وقف دعمها سياسياً بحجة «حقها في الدفاع عن النفس»، بينما ممنوع على لبنان حق الدفاع عن النفس والدفاع عن سيادته وحقوقه في أراضيه المحتلة.
غاصب المختار – الجمهورية