الإثنين, نوفمبر 25
Banner

محاولات تعويم المصارف: صفر الثقة والخزائن الفارغة

خضر حسان – المدن

تبدَّلَت صورة القطاع المصرفي كثيراً منذ نحو عام حتّى الآن. بلغ التبدُّلُ حدَّ التغيير في الشكل والدور. وساهم احتجاز المصارف لأموال المودعين وتقنين تسليمها لهم، أو عدم تحويلها إلى الخارج اعتباطياً، ومن دون الاستناد إلى القانون، في تسريع تبديل صورة القطاع الذي لم يعد مستقراً ومتيناً مالياً.

فَقَدَت المصارف ثقة مودعيها وثقة المستثمرين المحليين والدوليين، بالتوازي مع انعدام الثقة بالاقتصاد وبقدرة المنظومة الحاكمة على إدارة المرحلة الصعبة والخروج إلى برّ الأمان. وهذه المعطيات زادت بثقلها على القطاع المصرفي، الذي بدأ يشهد تساؤلات حول دوره في المرحلة المقبلة التي تبدو بلا أفق.

القوة والهيمنة

لا شكَّ بأن القطاع المصرفي هَيمَنَ على النظام المالي لنحو ثلاثة عقود، وساهمت سياسات المنظومة الحاكمة في ربط الاقتصاد بالمصارف، التي أصبحت “المموِّل الأكبر للأفراد والمؤسسات”، باعتراف جمعية المصارف. لكن يُضاف إليها واقع تمويل الدولة من أموال المودعين، عبر إغراء مصرف لبنان المصارف التجارية بالفوائد المرتفعة لجذب أموال المودعين نحو المركزي، الذي بدوره بَدَّدَ تلك الأموال في تمويل مشاريع المنظومة الحاكمة.

غرقت المصارف في فائض قوّتها وأثقلها حجم توسيع هيمنتها، حتى عجزت عن الحفاظ على القوة والهيمنة. وبالتوازي، لم يعد هناك ما يصلح للهيمنة واستعراض القوة. بل صارت المصارف مُطارَدةً مِن قِبَل صغار أصحاب الودائع، وسط عدم رغبة الكبار منهم في انقاذ الوضع، سيّما وأنَّ أموالهم حُوِّلَت إلى الخارج من قِبَل المصارف نفسها. ولربما أكلت المصارف الطُعم في هذه العملية، حين ساعدت كبار المودعين من سياسيين ورجال أعمال، على تهريب أموالهم، وبالتالي على إفقاد خزائنها للدعامة النقدية وإفقاد نفسها النفوذ والسلطة.

رغم محاولات تعويم القطاع المصرفي وسعي مصرف لبنان إلى تلميع صورة القطاع، وقرار الحاكم رياض سلامة القاضي بإعادة رسملة القطاع المصرفي، فقد فشلت المصارف في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وذلك بفعل الفشل في إيجاد مظلّة أوسع للحل السياسي والاقتصادي والنقدي للبلاد، بالتوازي مع انعدام الثقة بالقطاع، نتيجة استسهاله حجز الأموال. والخوف من القطاع المصرفي لم يقتصر على الداخل اللبناني، فالثقة الدولية تراجعت، وتدلّ الاجراءات التي تتّخذها بعض الدول، على هذا التراجع. وآخر المؤشرات السلبية في هذا السياق، هو اتّجاه المصرف المركزي في قبرص، نحو إلزام فروع المصارف اللبنانية العاملة في الجزيرة، على تحويل ما يوازي جميع إيداعاتها إلى حسابات خاصة لديه، حمايةً للودائع وتحسباً لأي خسائر قد تحصل في لبنان وتؤثر على هذه الفروع وعملائها.

عدم اكتراث

مع سقوف السحوبات المنخفضة والتضييق على تحويل الدولارات إلى الخارج للاستيراد أو للتعليم وما إلى ذلك.. وتراجع وتيرة إيداع الأموال أو تحويلها إلى المصارف، وصولاً إلى حدّ الانعدام، ما خلا تحويل الدولارات الطازجة، أو “الفريش موني”، فضلاً عن ايقان المصارف بأن الحلول السياسية للأزمة لامَسَ نقطة الصفر، أصبحت رغبة المصارف في انقاذ القطاع تقارب الصفر أيضاً، خاصة وأن الدور الجديد في العام 2021 وما يليه، لن يكون كالعقود السابقة، وهو ما يدفع المصارف إلى التفكير في حجم الاستثمار ضمن الواقع الجديد.

لذلك، لا تبادر المصارف إلى البحث عن دور إضافي، وبالتوازي، إلى توسيع حجمها أو إعادة رسملة نفسها، أو السعي لاستحواذ المصارف المتعثرة والخارجة من السوق لاحقاً. ويمكن القول بأن المصارف باتت أبعد ما يكون عن الاكتراث لمصير القطاع. إذ أنَّ أموال أصحابها وكبار مساهميها، موجودة خارج لبنان ومحمية من تأثيرات إعادة هيكلة القطاع في الداخل. وأغلب أصحاب المصارف لديهم أعمال واستثمارات لا علاقة لها بالقطاع المصرفي، وبالتالي “لقمة عيشهم” غير محصورة بالقطاع.

وأبعد من ذلك، مَن قال بأن بعض أصحاب المصارف يلهثون للحفاظ على مصارفهم؟ فهؤلاء يبحثون اليوم عن أفضل وأقصر الطرق للخروج من السوق بأقل ضرر ممكن، لأنهم يدركون حجم التحوّل الذي أصاب لبنان والقطاع المصرفي، وإن كانت بوادر هذا التحوّل لم تظهر كاملةً حتى الآن.

أمّا مَن قرَّرَ البقاء في السوق، في محاولة لإنقاذ ما يمكن من امبراطوريته السابقة، أو الحفاظ على اسمه وإن بواسطة عمليات ودور بسيطين، فيقارع الدولة ومصرفها المركزي للاتفاق على شرعة تعاقدية جديدة، تتماشى مع الوجه الجديد للاقتصاد اللبناني خلال هذه الأزمة وما يليها. والمصرف المركزي يقدِّم التنازل تلو الآخر للمصارف، من خلال هشاشة التعاميم والقرارات التي يصدرها، والتي تعطي المصارف أبواباً للتنصّل من مسؤولياتها تجاه مودعيها، وحاملي السندات والأسهم، على غرار القرار الأخير المتعلّق بأرباح الأسهم التفضيلية.

بعض الآمال

لا يعني التحوُّل في حجم القطاع المصرفي وتقليص دوره، بأن المصارف باتت بلا جدوى. فالنظام المصرفي ما زال حاجةُ عالمية وليس محلية فقط. لكن التساؤل الأبرز حول دور المصارف ونجاحها أو فشلها في اتقان دورها الجديد واكتساب ثقة المودعين والمستثمرين، يبقى مرهوناً بمستقبل البلاد سياسياً واقتصادياً ونقدياً.

ومع ذلك، يبقى للقطاع المصرفي دور في توفير خدمات للمستوردين والمصدّرين. كما أن عجز الدولة عن توفير سيولة كافية لتقديم الخدمات إلى الأفراد والقطاعات الاقتصادية، يُبقي دور المصارف قائماً في هذا الشأن، عندما تقدّم المصارف الدعم المالي المطلوب لطالبي القروض الشخصية، أو المدعومة من مصرف لبنان على شاكلة القروض السكنية، إلى جانب دور المصارف في تأمين التمويل المطلوب للدعم الاقتصادي والاجتماعي الذي تعتزم الدولة تقديمه عبر البطاقات التمويلية… لكن كل ذلك يبقى أسير المرحلة المقبلة، والتي قد لا تتّضح الرؤية خلالها قبل الثلث الأول من العام الجديد، وقد لا تسير عجلة الاصلاح خلالها قبل منتصف العام. وإلى حينه، تحافظ المصارف على صبغتها السلبية التي لن تمسحها بسهولة، عمليات الدمج أو الاستحواذ المتَوَقَّعة.

Leave A Reply