كتبت صحيفة “البناء”: وسط احتدام المعارك شرق رفح، وتعليق المسار التفاوضي، صعد صخب الكلام العالي السقوف بين واشنطن وتل أبيب، حيث أطلّ الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث إلى قناة «سي ان ان» عن رفض قاطع لمعركة كبرى في رفح لمخاطر تحول ذلك الى كارثة انسانية، قائلة إنه اذا ذهب جيش الكيان الى هذه المعركة فإن واشنطن لن تتردد في وقف ارسال كل الأسلحة والذخائر إليه، مضيفاً أن الأسلحة الأميركية استخدمت في قتل المدنيين، وأنه لن يسمح باستخدامها مجدداً لذلك، ورد رئيس حكومة الكيان ووزير حربه وقادة آخرين في الكيان على كلام بايدن، وقال نتنياهو إنه سيذهب الى الحرب وحيداً ولن يتراجع إذا اضطر لذلك، لكنه لن يسمح لأحد بأن يقرّر بالنيابة عن حكومته ما يجب أن تفعل.
رغم كل صخب الكلام وضجيجه، لم يقتنع الكثيرون بجدية الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، بعدما وقفت إدارة الرئيس بايدن بكل ثقلها تقاتل طلاب الجامعات والشارع الملتهب دفاعاً عن اصطفافها الأعمى مع الاحتلال وجرائمه، التي دافعت عنها واشنطن في كل المحافل والمستويات وتصدّت لكل محاولة لمساءلة الكيان عليها، وموقف واشنطن بتسخيف الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا بحق الكيان حاضر ولم ينسَ بعد، وقبل أيام قليلة كان أعضاء من الكونغرس الأميركي يهددون أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، بعدما تمّ تداول أنباء عن احتمال ملاحقة عدد من كبار المسؤولين في الكيان، وبينما رأى البعض أن ما يجري هو مجرد تقاسم أدوار مربح للطرفين، اعتبر آخرون أن فشل الحرب بدأ يفرز معادلة جديدة، سوف تضطر فيها واشنطن لوضع أولوية وقف الحرب على رأس جدول أعمالها، بينما تعتقد حكومة نتنياهو أن التسليم بفشل الحرب يمثل بذاته هزيمة لا تحتمل.
في واشنطن حراك شعبي وسياسي مؤيد لمواقف بايدن، وحراك سياسي وشعبي مندّد بمواقفه، وفي الكيان مواقف مؤيدة لنتنياهو ومواقف مندّدة بالاستهانة بخسارة دعم واشنطن.
في القاهرة مناخات تعليق المفاوضات ترجمتها مصادر أميركية بالحديث عن توقف مؤقت، فيما غادر وفد حركة حماس القاهرة، مؤكداً أن لا شيء لديه يضيفه على تمسكه بموافقته على العرض الذي وضعه الوسطاء، محملاً نتنياهو وحكومته مسؤولية إفشال فرص الحل التفاوضي، وبالتالي الذهاب الى المواجهة التي سوف يكون الأسرى في غزة أول ضحاياها.
على جبهات القتال مزيد من التصعيد من غزة إلى جنوب لبنان وصولاً الى اليمن، حيث عدد من السفن الجديدة المستهدفة، وإعلان من السيد عبد الملك الحوثي عن اقتراب الإعلان عن مرحلة خامسة، وعن الاستعداد للذهاب بعيداً دون ضوابط وخطوط حمر إذا أصرّ الاحتلال على المضي قدماً في معركة رفح.
وفيما واصل العدو الإسرائيلي توغله في رفح جنوب غزة، في ظل تعثر مفاوضات القاهرة بعد تجاهل حكومة نتنياهو الورقة المصرية التي وافقت عليها حركة حماس، شهدت الجبهة الجنوبية مزيداً من السخونة والتصعيد على جانبي الحدود، إذ مضت المقاومة في لبنان بتنفيذ العمليات النوعية ضد مواقع وتجمّعات جيش الاحتلال والمنازل التي يتخفى فيها في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة.
وأكدت مصادر ميدانية لـ»البناء» أن «المقاومة لا تزال تتحكم في الميدان وتملك زمام المبادرة وكل الشمال يقع تحت أعين رجال المقاومة ومرمى صواريخها، وتتحكم بالأهداف بأريحية ولديها بنك معلومات وفيرة وأهداف كثيرة جداً وقدرة كبيرة على استهدافها»، لافتة الى أن «جيش الاحتلال يتخذ إجراءات قاسية ولا يتحرك إلا وفق الضرورة ويتحصن في أماكن جبلية وفي منازل المستوطنين الذين تهجروا منها»، مؤكدة «تكبيد العدو خسائر فادحة رغم التعتيم الإعلامي والرقابة العسكرية المشددة التي يفرضها على خسائره وقتلاه لا سيما من الضباط». وشددت المصادر على أن «المقاومة لديها العديد من المفاجآت التي ستؤلم العدو وتكبّده خسائر فادحة وتمنعه من فرض قواعد اشتباك جديدة على المقاومة»، مكررة التزام «المقاومة بالمعادلات الميدانية المتماثلة والمتوازنة لمواجهة العدو حتى توقف العدوان على غزة».
وفي سياق ذلك، أعلنت المقاومة الإسلامية في سلسلة بيانات متلاحقة استهداف إحدى المنظومات الفنية المستحدثة التي تم تثبيتها مؤخرًا في موقع راميا بالأسلحة المناسبة، وأصابوها إصابة مباشرة ما أدى إلى تدميرها. كما استهدفت مركزًا قياديًا مستحدثًا للعدو الإسرائيلي في مستعمرة نطوعة بقذائف المدفعية، وأصابته إصابة مباشرة، ومجموعة لجنود العدو الإسرائيلي في نقطة الجرداح بالأسلحة المناسبة وأصابتها إصابة مباشرة وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح. كما قصفت انتشاراً لجنود العدو الاسرائيلي في محيط موقع جل العلام بصاروخ بركان من العيار الثقيل.
وفي إطار الرد على اغتيال المجاهدين في بلدة بافليه، شنت المقاومة الإسلامية هجوماً جوياً بمسيرات انقضاضية استهدفت القيادة العسكرية لإدارة قوات العدو في مستعمرة كفرجلعادي ومحيطها، وأصابت غرفة عملياتها بشكلٍ مباشر وأوقعت ضباطها وجنودها بين قتيلٍ وجريح. كما واستهدف المجاهدون آلية عسكرية في موقع المالكية بالأسلحة المناسبة وأصابوها إصابةً مباشرة وأوقعوا طاقمها بين قتيلٍ وجريح وشوهدت النيران تشتعل فيها.، وقصفوا موقع السماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابوه إصابةً مباشرة.
في المقابل استهدف طيران الإحتلال الإسرائيلي المسيّر سيارة من نوع رابيد، على طريق بافليه ارزون. وأطلقت المسيّرة باتجاه الرابيد أكثر من صاروخ قبل أن تتمكّن من إصابتها. وتوجّهت فرق الإسعاف إلى المكان، حيث عملت على نقل من كانوا داخل السيارة. لاحقاً، أفاد الدفاع المدني على حسابه على «إكس» ان الاستهداف «أسفر عن سقوط أربعة شهداء للمقاومة، حيث قام العناصر بسحب جثامينهم وتولّت جهات أخرى نقلهم الى المستشفى».
ولفتت أوساط سياسية لـ»البناء» أن «الورقة الفرنسية تحاول من خلال البنود التي تضمنتها تعديل القرار 1701 لصالح «إسرائيل»، أي بمعنى آخر، نقل القرار من الفصل السادس الى السابع، ما لم تقبله المقاومة ولا الحكومة اللبنانية في عز عدوان تموز 2006، لذلك يتصرف الفرنسيون على أن «إسرائيل» المنتصرة في الحرب فيما حزب الله مهزوم»، وأوضحت الأوساط أن «لبنان سجل تحفظاته على الكثير من بنود الورقة وسلمها للفرنسيين وذلك بعد دراسة قيادتي حزب الله وحركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري وبالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي»، وبينت الأوساط أن من ابرز التحفظات اللبنانية هي إبعاد قوة الرضوان 7 كيلومترات باتجاه شمال الليطاني تحت عنوان ملطف «إعادة تموضع»، إذ لا يمكن إجبار أهالي القرى الحدودية من قوة الرضوان أو أي وحدة في حزب الله الانسحاب منها، كما لا يمكن منح قوات اليونفيل صلاحيات أو حرية حركة في القرى ومن دون التنسيق مع الجيش اللبناني، اضافة الى رفض لبنان أن تعمل وحدات الجيش في الجنوب تحت إمرة وتوجيهات قوات اليونفيل، كما رفض لبنان تشكيل لجنة بمشاركة «إسرائيل» فيها. كما يطالب لبنان انسحاب قوات الاحتلال من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة والنقاط المتحفظ عليها. وجزمت الأوساط بأن «لا اتفاق قبل الأخذ بالملاحظات اللبنانية، علماً ان الورقة الفرنسية لن تطبق ولا تهدئة في الجنوب قبل توقف العدوان على غزة».
وفي سياق ذلك، أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل الى ان جبهة الجنوب ستتوقف إذا توقف العدوان على غزة، لكن إذا اختار العدو الإسرائيلي الاستمرار في حربه فلا بدّ من التصدي. ولفت خليل في حديث تلفزيوني، الى ان بعض الموفدين حاول الضغط على لبنان من أجل فك المسارات مع غزة لكن موقفنا كان واضحاً. وشدد على ان عملية إعادة إعمار الجنوب شأنٌ وطنيّ، لكن بعض السياسيين للأسف وفي موقف خطر نفى مسؤولية الدولة لاعتبارات سياسية.
وخطف ملف النزوح السوري الاهتمام الرسمي والسياسي والروحي، وحط في الصرح البطريركي، حيث عقدت الطاولة المقفلة لمناقشة الأزمة، بدعوة من المركز الماروني للأبحاث والتوثيق، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومشاركة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والوزراء في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار، عصام شرف الدين، هنري الخوري، قائد الجيش العماد جوزاف عون، النائب نعمة افرام، وممثلين عن قادة الأجهزة الأمنية وعدد من المحافظين، ووأوضح مولوي قبل الاجتماع أن «الهبة الأوروبية لم تبتّ بعد كلياً»، قائلًا: «ستسمعون قريباً بقافلة عودة طوعية للسوريين إلى بلدهم نعمل عليها». وتابع مولوي من بكركي «سندافع عن لبنان ونطبق الإجراءات اللازمة والتعاميم نُفّذت بنسب متفاوتة بين البلديات ولن نقبل ببقاء السوريين غير الشرعيين»، فيما أعلن شرف الدين، من بكركي، أن «الثلاثاء عند السادسة صباحاً تنطلق أول قافلة سوريين إلى بلدهم وتقلّ ألفي سوري».
وإذ علمت «البناء» أن التواصل قائم بين مسؤولين لبنانيين رسميين والسلطات السورية لتنسيق قوافل العودة الى سورية التي أبدت استعدادها التام للتعاون مع الحكومة والأجهزة الأمنية اللبنانية لتسهيل عودة النازحين، كشفت مصادر مطلعة على الملف لـ»البناء» أن لا مقاربة لبنانية موحدة لمعالجة أزمة النزوح، بسبب الخلافات السياسية حتى داخل الحكومة، اضافة الى الضغوط الخارجية على بعض اطراف الحكومة لعدم التواصل مع الحكومة السورية وعدم إعادة النازحين الى سورية.
في سياق ذلك، كشف الوزير الحجار أن «هناك خطة وأكثر من خطة في ملف النازحين السوريين، ولكن ما من مرجعية واحدة للتنفيذ، وهناك تضارب في الصلاحيات، ولا قرار واضحاً مئة في المئة وكما ان هناك تدخّلا أمميّاً».
كما علمت «البناء» أن «جزءاً كبيراً من الهبة الأوروبية للبنان مشروطة بإصلاحات سبق وطلب إقرارها صندوق النقد الدولي والدول المانحة، كما أن الجزء الآخر من هبة المليار دولار من غير الواضح لمن ستعطى، الى الدولة اللبنانية ليصار الى صرفها عبر المؤسسات الرسمية أو عبر جمعيات المجتمع المدني».
وحضر ملف النزوح في عين التينة، حيث زار وفد من نواب تكتل لبنان القوي الرئيس بري وتناول اللقاء عرضاً للمستجدات السياسية وملف النازحين السوريين ولشؤون تشريعية. وبعد اللقاء الذي استمرّ زهاء ساعة قال النائب سليم عون: «المال على أهميّته يجب أن يكون وسيلة للعودة، ولكن على الإطلاق لا يجب أن يكون هو الهدف أو إذا اخذنا حتى حسن النية يجب ألا يكون عاملاً تخديرياً لإطالة وجود النازحين فالوقت الذي لا نعطيه أي قيمة منذ ١٣ عاماً واذا أضفنا اليها ٤ سنوات سيتفاقم الوضع أكثر وسيكون العدد قد ازداد والجميع يعرف نسبة الولادات من جهة إضافة الى النزوح الجديد نتيجة فتح الحدود وعدم ضبطها من جهة ثانية وذلك يفاقم الأزمة».
على صعيد آخر، شدد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض على أن «التنسيق مع الجانب السوري قائم وسنعمل فيما خصّ المياه والأنهر المشتركة، وسنقوم بتنسيق أكبر حتى لا تكون مصلحة أي أحد على حساب آخر»، مشيراً الى أنه «أرسل رسائل الى وزير المياه في سورية بهذا الخصوص وستكون هناك زيارة الى سورية لمتابعة الملفات ذات الاهتمام المشترك».