الأستاذ علاء مدني –
يُعتبر العمل النقابي في لبنان من أرقى أنواع الجهاد الذي يقوم به المجتمع المدني، و وجه من وجوه الحرية و العدالة و الديمقراطية. و قد حقق الكثير الكثير للعمال و المستخدَمين و الموظفين في حقبات مختلفة من تاريخ لبنان الحديث؛ و لعل العمل النقابي الخاص بالشأن التربوي هو من أهم و أفضل ما يقدمه المجتمع المدني، إضافة الى المكاتب التربوية الخاصة بالأحزاب، كونه يعبر عن شريحة واسعة من المعلمين في القطاع الرسمي الاساسي و الثانوي، و قد كان، و لفترة طويلة صوت المعلمين المدوّي و صرختهم بوجه كل انواع الظلم و التسلط. و قد عملت الروابط جاهدة لتحقيق مطالب المعلمين و الاساتذة، مما إنعكس إيجابًا على أداء المعلمين و الإدارة و بالتالي على جودة و إنتاجية الطلاب. و قد استطعنا لمس هذا التحول من خلال النتائج التي حققتها المدارس و الثانويات الرسمية في الامتحانات الرسمية خلال العشر سنوات الأخيرة، وبالتالي الهجرة الطبيعية للطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس والثانويات الرسمية، فانتعش القطاع التربوي العام تعليمًا وتعلمًا وتربية وحضورًا وجودة وعددًا ونوعًا. لكن، و للاسف، هذا الواقع المشرق بدأ بالافول مع ظهور الأزمة الصحية و المالية حيث فقدت الروابط في التعليم الرسمي الاساسي و الثانوي دورها و وظيفتها الرقابية والتربوية واستسلمت لشبح الأزمة المالية والاقتصادية، فخسر القطاع الرسمي، ومازال، اهم دعائمه لصالح القطاع التربوي الخاص. وما زاد في الخسارة المنهج الذي اعتمد من قبل الروابط، ومع بداية كل عام دراسي جديد، من تهديد بالاضراب إلى التهديد باقفال المدارس والثانوية وما بينهما من إشاعة للأجواء السلبية في ما خص المدرسة الرسمية. فكانت النتيجة الهجرة المعاكسة للطلاب باتجاه المدارس الخاصة مهما كان اسمها وعنوانها ومنهجها وطريقة عملها، فتلقفت هذه المدارس كرة الأهالي الملتهبة بالقلق على مصير اولادها وحولتها إلى بردٍ وسلامٍ ماليٍ عبر الأقساط والرسوم الغير المنطقية بحجة رفع أُجر المعلمين ورفع المساهمات في صندوق التعويضات للمدارس الخاصة والارتقاء بالمتعلم إلى مصافي الدول المتقدمة تربويا وتعليميا. هذا في الوقت الذي تقف فيه الروابط ومَن خلفها على رصيف الإنتظار، ويتحول دورها إلى مجرد مراقب أو بوق لبثّ السلبية والأجواء المقلقة باتجاه المدارس الرسمية. انّا ونحن نلملم بقايا هذا العام الدراسي بكل ما مر به من عثرات وعقبات ومشاكل أمنية ومالية واقتصادية، ومع انتشار اللوائح المفزعة للاقساط في المدارس الخاصة، نتوجه إلى الوزير المحترم والروابط الأفاضل بالتحية والعرفان ونطلب منهم ونحن على أبواب عام دراسي جديد أن يكونوا على قدر عال من المسؤولية والحكمة وان يحكّموا ضمائرهم في اولادنا ،اولاد أصحاب الدخل المحدود الذين لا حول لهم ولا مدرسة الا المدرسة الرسمية. فالمطلوب منهم في هذه الساعة أن يُشعروا الناس بالأمان والاستقرار والاستمرار وان يطردوا عنهم شبح الإضرابات والتعطيل ،فتحصل العودة الطبيعية والأمنة للطلاب نحو المدرسة الرسمية.