الجمعة, نوفمبر 22
Banner

أمراض نادرة للعالم ومرهقة لمصابيها… فمن يسمع صوتهم؟

بالنسبة إلى العالم هي أمراض نادرة تصيب نسبة ضئيلة من الناس، لكن بالنسبة إلى المرضى وعائلاتهم فهي عبارة عن معاناة مضنية ترافقهم طوال أيام حياتهم من بداية ظهور أول الأعراض، مروراً بمراحل التشخيص التي تطول خلال أشهر أو سنوات وصولاً إلى العلاج الذي يصعب تأمينه وأخيراً رحلة المرض الصعبة.

فبين قلة الوعي حول هذه الأمراض وقلة المعرفة في شأنها سواء بين الناس عامة أو بين الأطباء حتى، تكثر التحديات أمام المريض. وبالنسبة إلى العلاجات إذا ما توافرت تعتبر كلفتها خيالية.

ولكل من هؤلاء المرضى تجربة قاسية مع المرض وقصة موجعة، وقلة الدراسات والأبحاث حولها لا تساعد على الحد من قسوتها هذه، فيجد المريض نفسه عاجزاً وكأنه يواجه المرض وحده في عالم موحش.

تشخيص الأهل أولاً

بدأت ميشيل تلاحظ صعوبات لدى طفلها كريس (أربع سنوات)، عندما بدأت محاولات المشي في عمر السنة. كان يقع بصورة متكررة، مما تسبب بازرقاق في مواضع عدة في جسمه. اعتبر الأهل آنذاك أن الطفل يواجه مشكلة في التوازن والمشي، لكن بدا واضحاً لاحقاً أنه يجد صعوبة في الوقوف وحده عندما يكون جالساً على الأرض فيطلب المساعدة في ذلك حتى عمر السنتين. حرص والده على تلقينه هذه المهارة حتى أصبح قادراً على الوقوف وحده، وإن كان من المفترض أن يتقنها بالفطرة. وعندما دخل كريس إلى الحضانة، قيل لأهله بأنه هادئ للغاية ويظهر عجزاً في إنجاز بعض الأنشطة الحركية النفسية. لكن لم يعر طبيب الأطفال كل هذا أهمية معتبراً أن الطفل صغير، وبرر كل اختصاصي هذه المشكلات على طريقته من دون إعطاء التشخيص الصحيح الذي يفسر الأعراض.

ويقول الأهل “بدأت الأمور تتضح أكثر عندما دخل كريس إلى المدرسة. عندها، زادت التحديات أمامه مما أبرز الضعف الذي لديه. فكان عاجزاً مثلاً عن صعود السلالم، أو الصعود إلى حافلة المدرسة. كما أن طريقته في المشي بدت غير متوازنة. كان عاجزاً عن الضغط على قدميه، ويجد صعوبات في كل لعبة تتطلب منه ذلك، إضافة إلى أنه يتعب عند المشي. وتكرر التشخيص الخاطئ لحالة كريس طوال العام المدرسي الأول إلى أن اكتشفنا ما يعانيه من طريق الصدفة من خلال فيديو لحالة مشابهة على وسائل التواصل الاجتماعي. فكانت هذه بداية المشوار”.

في تلك المرحلة، تأكد الأهل مما يعانيه كريس لأن الأعراض باتت واضحة، لكنهم استشاروا طبيباً متخصصاً في الجهاز العصبي للأطفال ليؤكد التشخيص معتمداً على الفحوص الجينية وفحوص الدم، بعد معاناة طويلة من طبيب إلى آخر. ووفق ما توضحه والدة كريس، بعد التحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن حالته، تبين أن كل الأهل الذين لديهم أطفال يعانون الحالة نفسها، عانوا التأخير في التشخيص أيضاً حتى عمر سبع سنوات أحياناً لكشف المرض، مشيرة إلى قلة الوعي في المجتمع وقلة المعرفة بين الأطباء أيضاً حول هذه الأمراض. هذا، فيما كان من الممكن كشف مرض “دوشين” الذي أصاب كريس، من خلال فحص بسيط للدم. ويسبب هذا المرض ضموراً في العضلات، ويظهر حصراً لدى الفتيان. وفي حال تشخيصه في مرحلة مبكرة، يمكن أن تتحسن حالة الطفل بفاعلية كبرى، من خلال العلاج الفيزيائي و”الكورتيزون”.

عندما تأكد التشخيص، علم الأهل أن حالة كريس قد تتدهور سريعاً. كانوا يدركون تماماً ما ينتظرهم، وأنه قد يصبح عاجزاً عن المشي في عمر 10 سنوات، وقد تحصل الوفاة في مرحلة المراهقة مع تضخم القلب. إلا أن الطبيب أكد أنه ثمة علاج جديد لحالته، إلى جانب “الكورتيزون” الذي يعدل في الخلل الجيني ويبطئ تطور الأعراض. أما العلاج الأساس، فكلفته ثلاثة ملايين دولار لا بد من تأمينها بأسرع وقت. وبالفعل كانت الأعراض تتطور سريعاً لديه. وفيما تابع كريس الذهاب إلى المدرسة وعاش حياة طبيعية طوال الفترة الماضية كأي طفل في مثل سنه، فضل أهله إبقاءه في المنزل تجنباً لإصابته بفيروس معين، مما قد يمنع تلقيه العلاج. فهو يدخل الجسم من خلال الفيروس، ومن الشروط الأساس ألا يكون الطفل قد أصيب به سابقاً. حتى إن الفحص الخاص بالفيروس غير متوافر في لبنان، واضطرت العائلة إلى السفر إلى دبي لمدة أسبوع لإجرائه.

في هذا الوقت، خضع كريس للعلاج الفيزيائي بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع، مع التمارين الحركية، وعلاج “الكورتيزون” بجرعات عالية، وأدوية أخرى حفاظاً على حالته، بانتظار تأمين المبلغ للعلاج. أما العلاج الجديد، فيتلقاه بجرعة واحدة بالمستشفى في دبي. وانطلقت حملة واسعة لتأمين المبلغ اللازم لعلاج كريس، وحصل على تجاوب لافت داخل لبنان وخارجه تعاطفاً مع حالته، وقد تأمن حتى اللحظة نحو نصف المبلغ بانتظار تأمينه كاملاً ليتمكن من تلقي العلاج الجديد.

إحساس بالذنب

لا يزال الإحساس بالذنب يرافق فرح والدة الطفلة ميلا منذ أن خسرت طفلتها بسبب مرض SMA أو ضمور العضلات الشوكي، على رغم أنها لم توفر وسيلة حتى تؤمن المبلغ اللازم لعلاجها لتنقذ حياتها، وبذلت جهداً جباراً لتبقي طفلتها في حضنها. إلا أن الوقت خانها، كما يحصل غالباً مع هذا المرض، وفشلت كل المحاولات لإنقاذها. فعندما تأمن المبلغ اللازم لعلاجها، كان قد فات الأوان. وتقول “تأخرنا في تشخيص حالة ميلا، ولو كان ذلك قد حصل في وقت مبكر، ربما كانت بيننا اليوم. لكن في البداية، لم يخطر لنا أن تكون مصابة بهذا المرض النادر الذي لم نسمع عنه سابقاً. وكان تأخر النمو مبرراً للأعراض التي تعانيها، حتى بالنسبة إلى الأطباء. حتى إننا لم نبدأ بالبحث عن السبب حتى عمر أربعة أشهر، على رغم أن طريقة الرضاعة، والطريقة التي تثني فيها ميلا قدميها من العلامات التي كانت تدل على وجود مشكلة. وما لفت نظري أنها كانت عاجزة في عمر أربعة أشهر عن رفع رأسها أو المكوث في وضعية الجلوس، وتبكي حين أرفعها وتحني رأسها باستمرار”.

لم يكن الأهل وحدهم من لم يتنبه إلى وجود مشكلة لدى الطفلة، بل إن الأطباء أنفسهم أخطأوا في التشخيص، ولم يعطوا هذه العلامات أهمية أولاً، إلى أن استطاع الأطباء المتخصصون في الجهاز العصبي للأطفال تشخيص الحالة، خصوصاً بعد اللجوء إلى الفحص الجيني. وطوال شهر ونصف الشهر عاشت العائلة حالة من القلق والتوتر بانتظار صدور نتيجة الفحص.

بعد تشخيص الحالة، عرض الطبيب المعالج ثلاثة علاجات أولها مكلف جداً ويجرى خارج لبنان، والثاني هو علاج يومي تصل كلفته إلى 25 ألف دولار في كل مرة، ولا تدوم نتيجته إلا لأشهر قليلة. أما الثالث فهو علاج موجود في بعض الدول يعطى فيه لميلا البروتين الناقص لديها لمرة واحدة، وكلفته مليونان و10 آلاف دولار أميركي. كان هذا الحل الوحيد أمام العائلة حتى لا تفقد ابنتها، على رغم أن جمع المبلغ بدا مستحيلاً. شعر الأهل بالعجز، خصوصاً أنه ما من معرفة حوله، وما من علاجات يمكن تحمل كلفها ولا دراسات حوله. لذلك بدت خطوت تأمين العلاج مستحيلة.

ولجأت فرح إلى الإنترنت للاطلاع أكثر حول المرض. كما تعرفت إلى أم لديها ابنة مصابة بمرض ميلا نفسه، عرفتها على مؤسسة معنية التي قدمت لها كثيراً من الدعم على كل المستويات، بما في ذلك العلاجات التي تحتاج إليها طفلتها.

كانت حياة العائلة تقتصر على المسار العلاجي لميلا، والمستشفيات، والعلاج الفيزيائي مرات عدة في الأسبوع حفاظاً على عضلاتها، إضافة إلى زيارات خبير التغذية. على رغم ذلك كانت حالة الطفلة تتدهور، وكان العلاج ضرورياً لها، فقررت فرح إقامة حملة واسعة لجمع هذا المبلغ بأسرع وقت ممكن. لكن ما إن تأمن المبلغ حتى دخلت ميلا في غيبوبة إلى أن فارقت الحياة. تحكي الأم عن تلك المرحلة بحرقة، مؤكدة أنها تعلمت منها كثيراً، وانطلاقاً من حالة ميلا كان من الممكن ملاحظة أعراض مماثلة لدى ابنة أختها في السويد حيث تلقت العلاج، وتحسنت حالتها.

حالة وحيدة في لبنان والمعاناة مرهقة

ليا جبر مصابة بمرض “الشخص المتيبس”، وهي الحالة الوحيدة المشخصة في لبنان. كانت لها معاناة طويلة مع المرض والأوجاع في مختلف أنحاء جسمها، قبل التشخيص الصحيح لحالتها. طوال سنوات، استشارت أطباء كثراً في لبنان أو الخارج، وفي كل مرة كان التشخيص خاطئاً وتواجه الاستخفاف بأعراضها وشعورها مما أدى إلى تدهور حالتها النفسية. طوال أربع سنوات عانت أوجاعاً أثرت في حياتها من دون أن تجد تفسيراً لها، ومنها آلام الظهر التي زادت سوءاً وحدة مع الوقت. وتؤكد اليوم في حديثها لنا أن حالتها لم تكن لتتدهور بهذه الصورة، لو تم تشخيص المرض مبكراً. وهي اليوم تتبع مجموعة واسعة من العلاجات للحد من تطور المرض الذي لا علاج له. فهذه العلاجات لا تساعد على تحسن حالتها، فيما تحولت حياتها إلى تحديات مستمرة ومعاناة وتنقلات بين الأطباء والمستشفيات لتخضع إلى ما يتوافر من علاج، ومنها “البوتوكس” للصوت الذي تفقده من وقت إلى آخر. وتخلل رحلة المرض أيضاً فترات أكثر صعوبة كادت فيها أن تشارف على الموت. كما خسرت القدرة على تحريك ساقيها، وبلغت مرحلة تعيش فيها معاناة يومية وتعجز عن صعود السلالم.

تأمل ليا اليوم أن تكون إصابة الفنانة سيلين ديون بالمرض نفسه بمثابة خشبة الخلاص بالنسبة إليها، عل ذلك يسهم في تعزيز الأبحاث والدراسات حول المرض عبر تأمين التمويل اللازم له. وانطلاقاً من مرضها هذا، حرصت على تأسيس حساب autoimmune bent_not_broken الذي تعمل من خلاله على نشر الوعي حول المرض وإقامة حوارات مع مرضى من حول العالم يعيشون المعاناة نفسها.

تقول ليا “أصعب ما في هذه الأمراض قلة المعرفة والوعي حتى بين الأطباء. كثر يشخصون الحالات بإلغاء الاحتمالات مما يشكل مضيعة للوقت للمريض. إضافة إلى كلف العلاجات التي تعتبر باهظة ويصعب تحملها. أعيش حالة فوضوية في رحلة العلاج. لكن من الصعب الخضوع إلى علاجات تجريبية. ومن يصاب بمرض نادر مستعد لأي شيء ليشعر بتحسن. لكني أتمسك بالإيجابية علها تساعدني على تحمل المعاناة والألم. كما أتسلح بالمعرفة حول مرضي، قدر الإمكان، وأتابع كل جديد حوله. فعلى من يصاب بمرض نادر أن يصبح طبيب نفسه. وأعتقد أن نشر الوعي حول المرض يمكن أن يسهم في مساعدة كل مريض للتعامل مع مرضه. أتمسك بالأمل وأتقبل المرض مع ما يفرضه على حياتي بانتظار أن يطرأ شيء جديد يغير مسار الأمور”.

معاناة لا تنتهي

تصيب الأمراض النادرة شخصاً من 2000، وبحسب الاختصاصية في الطب الجيني الدكتورة ندى عساف قد تبدو الأرقام قليلة، لكن هناك أكثر من ستة آلاف أو سبعة آلاف مرض، وأكثر من 300 مليون مريض حول العالم. ومما لا شك فيه حصول تطور لافت في السنوات الـ20 الأخيرة في هذا المجال وفي الأبحاث التي تجرى حولها، كما زاد الدعم من قبل الهيئات الصحية العالمية. إنما في الوقت نفسه، ثمة حاجة ماسة إلى نشر الوعي أكثر لتزيد فرص التشخيص المبكر. فلا يزال المريض يعيش معاناة طويلة قبل التشخيص، فتكون الرحلة مضنية وتمتد لسنوات. وتضيف “من الصعب جداً على المريض أن يعاني ولا يعرف سبب المشكلة التي لديه، ومن المهم السعي إلى تقصير الفترة المطلوبة للتشخيص. التطور الحاصل مهم، لكن ثمة حاجة إلى مزيد من الدعم للأبحاث لتزيد المعرفة حولها. لكن تتحفظ الشركات حول القيام بالأبحاث والدراسات في شأن الأمراض النادرة لقلة أعداد المرضى بالمقارنة مع أمراض أخرى”.

اللافت أن صوت المريض بات أعلى اليوم بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، وبوجود مجموعات المرضى، ما أسهم في زيادة الوعي بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل 10 سنوات مضت. وفي حديثها، تنصح عساف الأم خصوصاً بالتنبه إلى أي أعراض وعلامات تدل على احتمال وجود مشكلة لدى طفلها، لاعتبارها لاحظت أن الأم هي غالباً أول من يتنبه، انطلاقاً من تجربتها. ويبقى أن تتوافر العلاجات بكلفة أقل.

زواج الأقارب أحد الأسباب

في نسبة 72 في المئة من الحالات يعتبر الاستعداد الجيني سبباً، وفي النسبة الباقية يمكن أن تكون المناعة الذاتية السبب أو يمكن أن يكون السبب فيروسياً. لكن أياً كان السبب، يختلف مسار المريض بحسب ما إذا كان من الممكن الوقاية من المرض أو من تطوره.

في منطقتنا، لا تجزم عساف بأنه ثمة استعداد جيني أكبر، إنما ثمة عوامل معينة يمكن أن تسهم في زيادة احتمال الإصابة بالأمراض النادرة كزواج الأقارب الذي ترتفع معدلاته ويعتبر من العوامل التي تسهم في انتشار الأمراض النادرة. ففي لبنان تبدو معدلات الأمراض النادرة أعلى بالمقارنة مع دول أخرى بسبب زواج الأقارب. فهو يزيد معدلات العامل الجيني الذي يسهم في ارتفاع احتمال الإصابة بمرض نادر وانتشار الأمراض الوراثية، وقد أجريت دراسات بريطانية تؤكد ذلك، بحسب الطبيبة الاختصاصية في الجهاز العصبي للأطفال والمتخصصة في الأمراض الوراثية روز-ماري بستاني.

وتؤكد “في تشخيص الأمراض النادرة لا تعتبر كفاءة الطبيب معياراً. إذ تقل المعرفة حولها ومن الصعب التعرف إليها حتى بين الأطباء. فمن الممكن ألا تكون أي من هذه الحالات قد مرت أمام الطبيب، ولو كان من الأطباء الأكثر كفاءة. حتى أن التشخيص صعب في حال وجود حالة أو اثنتين مرت أمام الطبيب في عيادته خلال عقود”.

الفحص الجيني للحد من الخطر

من ضمن الأمراض النادرة، ثمة أمراض لا تؤثر في الحياة أو الدماغ، لكنها في معظمها تصيب العضلات ويؤثر أسوأها على التطور الذهني والجسدي وعلى الدماغ، وإن وجدت أنواع أخرى من الأمراض النادرة. فعلى سبيل المثال، في أحد الأمراض النادرة التي لا يمكن أن يتناول فيه الفول ويعيش حياة طبيعية شرط تلقيه التشخيص المناسب بالفحص الجيني أو بفحص المختبر متجنباً تناوله. حالياً، تعتبر معظم الأمراض النادرة قابلة للتشخيص السريري، لكن التشخيص الأدق يكون من خلال الفحص الجيني الذي يظهر الخلل، ويمكن أن يجرى مسبقاً للزوجين لتفادي ظهور المرض في العائلة عند الإنجاب. فتؤكد بستاني أن المشكلة في الأمراض النادرة أن معظمها لا يظهر قبل نحو عمر أربع أو خمس سنوات لدى الطفل، ويمكن أن يكون الزوجان قد أنجبا طفلاً آخر، ومن الممكن أن يكون مصاباً أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن الفحص الجيني ظهر من منتصف الثمانينيات مما أسهم في كشف كثير من هذه الأمراض. إلا أنه كان آنذاك مكلفاً للغاية، وتذكر بستاني أنه في الحالة الأولى التي شخصت في أميركا وصلت كلفة الفحص الجيني إلى 10 آلاف دولار.

أما اليوم، فأصبح يجرى للمريض، ومع ظهور أول حالة في العائلة ينصح كل الأفراد بإجرائه أيضاً لكشف احتمال الإصابة في مرحلة مبكرة بما أن الخطر يزيد لديهم. فبالنسبة إلى هذه العائلة لا يعود المرض المعني نادراً، وإن كان نادراً بالنسبة إلى العالم. فكل الأفراد الذين يعدون عرضة للإصابة يحملون نسخة جينية خاطئة “لدى كل منا نسخة جينية خاطئة، لكن في حال الزواج من أحد أفراد العائلة يزيد خطر ظهور المرض النادر. لكن هذا الفحص لا يمنع الإنجاب بل يسمح بالحصول على المعلومات، ويزيد العلم لدى الشباب ليتمكنوا من الزواج والإنجاب بأمان”.

على رغم التطور الكبير في مجال الأمراض النادرة خلال السنوات الـ20 الأخيرة، تبقى المشكلة الأساسية، لا في التشخيص فحسب، بل في العلاج الذي قد تصل كلفته إلى ملايين الدولارات بسبب الكلف الباهظة لتطوير الأدوية لهذه الأمراض بالنسبة إلى الشركات. وفي معظم الحالات لا قدرة للمريض على تحمل الكلف الخيالية لعلاجات الأمراض النادرة. من العلاجات الجينية المتوافرة حالياً في مواجهة الأمراض النادرة تلك التي تقضي بأخذ خلايا من المريض قبل أن تصحح ويعاد زرعها. كما يتوافر العلاج الذي تعطى فيه البروتين الناقص، لكنه علاج على مدى الحياة وتصل كلفته في كل مرة إلى ما لا يقل عن 50 ألف دولار، هذا إذا كان متوافراً. ومن ثم قليلة هي العائلات التي من الممكن أن تكون قادرة على تحمل مثل هذه الكلف. وتعقد الآمال أكثر على العلاج الجيني لاعتبار أن آثاره قد تدوم لوقت أطول، وإن كان ذلك غير مؤكد حتى اليوم.

الجمعيات ومجموعات المرضى

تستمر الأبحاث لمساعدة المرضى من مختلف الفئات العمرية، بعد تزايد الدراسات والتجارب حول هذه العلاجات، بعدما تبين أنها قد تكون فاعلة لا للمصابين بالأمراض النادرة فحسب، إنما أيضاً لأمراض أخرى كالسرطان. انطلاقاً من ذلك تنفق الولايات المتحدة أموالاً طائلة على هذه الدراسات الخاصة بالأمراض النادرة لفهمها بصورة أفضل وللاستفادة منها لأمراض أخرى.

لكن في ظل الدراسات والأبحاث التي لا تزال محدودة، ونظراً إلى قلة المعرفة في هذا المجال، لا يمكن حالياً إلا التعويل على مجموعات المرضى التي باتت تتشكل لنشر الوعي حول الأمراض النادرة. فتجرى المؤتمرات بمعدل أكبر، وتعمل هذه المجموعات على نشر الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول الأمراض النادرة. فهذا ما قد يحدث فارقاً مهماً في مستويات الوعي في المجتمعات ويسهل عملية التشخيص أيضاً والوصول إلى المعلومات.

كارين اليان ضاهر – اندبندنت

Leave A Reply