ليس تفصيلا أن يتهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الدول الأوروبية بعدم التعاون مع لبنان لحل أزمة النازحين السوريين وعودتهم الى وطنهم، وانها تستخدمهم لأغراض سياسية في سوريا، ولا تريد الفصل بين المشكلة السياسية وعودتهم، ما يحمّل لبنان هذا العبء الثقيل.
ولعل اللافت في كلام الراعي هو التنبيه بأن الدول الأوروبية تهيئ مجرمين وإرهابيين ستكون أراضيها مسرحهم قبل غيرها.
ثورة الراعي على أوروبا حملت تبدلا جوهريا، في مواقفه، خصوصا أنه للمرة الأولى يضع الاصبع على الجرح ويسمي الأشياء بأسمائها، ما يؤكد أن رأس الكنيسة المارونية ضاق ذرعا بالموقف الأوروبي من قضية النزوح، وناقض بذلك كل مواقف التيارات السياسية المسيحية التي تحاول أن تستفيد من هذه القضية في مزايدات وشعبوية لاستمالة الشارع المسيحي أو لتحقيق شعبية هنا أو هناك.
ولا شك في أن كلام الراعي سيكون له وقعا في الجلسة النيابية التي ستعقد غدا لدراسة ملف النازحين، وسيساعد في تسويق التوصيات التي يسعى الرئيس نبيه بري الى أن يحولها الى موقف وطني لبناني يتوافق عليه كل المكونات السياسية والحزبية.
كما جاء كلام البطريرك ليدعم توجهات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي نجح في كسر الجمود المسيطر على هذا الملف أوروبيا، وفي إيجاد لوبي من قبرص الى فرنسا يدعم وجهة نظر الدولة اللبنانية، والذي أنتج الافراج عن المساعدات المالية(المليار يورو) لدعم المجتمع المضيف في لبنان وليس لإبقاء النازحين الذين أكد ميقاتي في أكثر من مناسبة على ترحيل غير الشرعي منهم بشكل فوري ودراسة ملفات العديد منهم وفقا للداتا التي قدمتها المفوضية العليا لشؤون النازحين وكان أول الغيث منها الدفعة التي سيقوم الأمن العام بترحيلها.
تشير المعلومات الى أن موقف البطريرك الراعي في عظة الأحد الفائت لم يكن وليد ساعته، بل بعد فترة طويلة أمضاها في التواصل مع الدول الأوروبية المعنية سواء عبر السفراء أو الموفدين الذين زاروا لبنان، ولكن من دون نتيجة، خصوصا أن أزمة النازحين تتداخل بين عدد من الدول الفاعلة بدءا من أميركا التي ترفض التخفيف من تداعيات قانون قيصر على دمشق، مرورا بالدول الأوروبية التي تؤكد في كل مناسبة على بقاء النازحين في لبنان وتدير الأذن الطرشاء لكل الأصوات التي تنادي بضرورة دعم النازحين ماليا في بلدهم وخصوصا في المناطق الآمنة، وصولا الى الدولة السورية التي يتم التواصل معها على مستوى رئاسة الحكومة والوزارات المعنية.
وتضيف المعلومات أن إجتماع المطارنة الشهري والذي عقد الأربعاء الفائت تخلله نقاشات مستفيضة أعرب خلالها عدد من المطارنة عن مخاوفهم من تنامي حضور النازحين وتأثيره السلبي على مناطقهم في ظل التحريض السياسي القائم، معطوفا على التعنت الأوروبي الذي يضرب السيادة اللبنانية، مطالبين الراعي بأن يرفع الصوت وأن يتخلى عن المجاملات مع الدول الأوروبية وأن يسمي الأشياء بأسمائها لأنه لم يعد جائزا السكوت عما يحصل.
في هذا الاطار، تقول مصادر مواكبة إن البطريرك الراعي قطع الطريق على التيارات المسيحية في إستغلال جلسة مجلس النواب لتحقيق مكاسب سياسية أو شعبية، خصوصا بعد الهجمة غير المبررة على الحكومة، ومحاولات التنصل من المواقف السابقة التي شكلت غطاء واسعا للنازحين ومن التقصير الذي شهدته السنوات الماضية في إيجاد الحلول الناجعة بدءاً من التباكي على الاطلال وإطلاق الاتهامات ونفض الأيادي من المسؤوليات.
أمام هذا الواقع، يفترض بجلسة مجلس النواب غدا أن تشهد قليلا من الهدوء بعد موقف الراعي وجهود الرئيس بري لاحتواء المواقف التي ستطلق فيها، والرئيس ميقاتي في تبيان حقيقة مبلغ المليار يورور الذي قدمته المفوضية الأوروبية، ما سيضيع على بعض أصحاب الرؤوس المسيحية الحامية فرصة سانحة لتصفية الحسابات.
غسان ريفي – سفير الشمال