تعاين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بهدوء النقاشات الدائرة بقوة حيال مصير النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية. وسيكون موضوعهم محل بحث مفصل في جلسة نيابية عامة اليوم ستضمّ مختلف الأفرقاء الذين لا يلتقون على خلاصة واحدة حتى لو تعلق الأمر بقضية وطنية من هذا النوع. ويبقى التعويل على الإرادات الحسنة إذا ترجمت في توصية جامعة تعبّرعن النواب الـ128 لتستند إليها الحكومة، وإن كان هذا الفعل لا يكفي إن لم يوضع المجتمع الدولي والبلدان الغربية أولاً أمام مسؤولياتهم ومن دون استثناء سوريا المعنية أولاً بعودة مواطنيها إلى ديارهم.
ولا تخلو تصريحات أكثر من كتلة وجهة سياسية من سهام النقد لأداء المفوضية وتخطّيها القواعد الديبلوماسية والسيادية و”عدم اكتراثها” لصرخات اللبنانيين وتحذيراتهم من أعباء النازحين. وينتظر المواطنون نوابهم في امتحان ما إن كانوا على مستوى تصريحاتهم والمسؤولية الملقاة عليهم، أم سيرضخون لقرارات الدول والتسليم ببقاء أكثر من مليوني سوري على أرضهم. ووصل الأمر بنواب من مختلف الكتل في اجتماع لهم أمس إلى القول: “إن لم تلتزم المفوضية بمضمون توصية البرلمان فلتغادر لبنان”.
وتؤكد المفوضية مسألة أنها باقية على التزامها “على أساس أنها الشريك الداعم والشفاف والإيجابي”. وستستمر في الدعوة بنشاط “لحشد المزيد من الدعم للبنان وتعبئة الجهود لضمان الاستمرار في تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً في لبنان والتصدي لها على الرغم من الموارد الشحيحة مع التشديد على أهمية قيام المجتمع الدولي بإعطاء الأولوية للحلول الدائمة من أجل ضمان الحماية الدولية للاجئين والمساعدة في تخفيف العبء عن كاهل لبنان”. وتعمل المفوضية على “استكشاف ما يمكن القيام به في ما يتعلق بالمشاركة في التوصّل إلى حل في سوريا. وستكون هذه الرسائل الرئيسة للمفوضية في مؤتمر بروكسيل في نهاية الشهر الجاري ومفادها أنه إذا أرادت سوريا والمجتمع الدولي عودة المزيد من الأشخاص يجب تهيئة ظروف العودة بنحو أكبر”. وتبذل المفوضية قصارى جهدها للمشاركة البنّاءة، لكن الأمر يتطلب أكثر بكثير من مجرد مشاركة المفوضية وتستمر في مطالبة الدول الأعضاء بأن تتحد حول هذه القضية وأن تجد طريقاً مناسباً لإجراء حوار بنّاء حيال هذه المسألة في سياق مدروس على أعلى المستويات.
وترى المفوضية أن “البحث عن الحلول عملية معقّدة” مع دعوتها جميع الجهات الفاعلة إلى “ضمان عدم تفاقم وضع هو في الأصل شديد الصعوبة، من جرّاء تصاعد التوترات وتزايد الحاجة والضعف عندما تتصاعد التوترات”. وتكرر دعواتها الحكومة والسلطات اللبنانية للحفاظ على الهدوء وضبط النفس “في ظلّ الوضع المتوتر أصلاً في لبنان”. وتتوقف المفوضية عند جملة من الأحداث التي تعرّض لها نازحون حيث “تم الإبلاغ عن زيادة مثيرة للقلق في التدابير التقييدية، بما في ذلك من مجموعات فردية نصّبت نفسها بنفسها، الأمر الذي أثّر كثيراً على أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان. وأثارت أعمال العنف والتهديدات العشوائية التي استهدفت اللاجئين السوريين حالة من الذعر بين عائلاتهم في لبنان”. وتراقب المفوضية هذه التطورات عن كثب وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرّضهم للإساءة أو العنف أو الإخلاء”. وتدعو المفوضية المجتمعات اللبنانية إلى “الامتناع عن إلقاء اللوم بصورة جماعية وظالمة على الأفراد السوريين، وإلى حمايتهم من الاستهداف على خلفية جرائم لم يرتكبوها”.
وماذا عن علاقة المفوضية مع مديرية الأمن العام؟
ترد مصادر المفوضية بأنها “تتعاون بنحو وثيق مع المديرية وتسهّل الأخيرة، بالنيابة عن الحكومة اللبنانية، عودة السوريين الذين يعربون عن رغبتهم في العودة والمسجّلين لدى الأمن العام قبيل ذلك، فيما رحلات العودة التي تسيّرها المديرية العامة للأمن العام ليست تابعة للمفوضية، وتشارك فيها وتتعاون مع الأمن العام والجهات الأخرى للتواصل مع اللاجئين وتقديم المشورة إليهم، عندما يكون ذلك ممكناً، والتواجد في نقاط المغادرة قبل عودتهم”.
وتعترف المفوضية بأن لبنان يستضيف أكبرعدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه. و”تعي تماماً تأثير ذلك على البلد، ولا سيما أنه يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، ما يفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر مما هو عليه لدى الفئات الأكثر ضعفاً”. وتضيف المصادر أن “المفوضية تلتزم مواصلة تعاونها الحيوي مع الحكومة اللبنانية والشركاء من أجل تلبية احتياجات الشعب اللبناني والاستجابة لشواغله. ولا نتوانى في هذا الصدد عن مطالبة المجتمع الدولي بدعم هذه الجهود فيما يستمر البحث عن حلول دائمة للاجئين السوريين بما في ذلك إعادة التوطين في بلدان ثالثة والعودة إلى سوريا. ونتعاطى بشفافية في المواقف التي نتخذها ولا نسهم في عرقلة عودة اللاجئين إلى بلدهم. ونحن نأمل أن تكون الحلول الدائمة والعودة الآمنة ممكنة لأعداد أكبر من اللاجئين وتعمل المفوضية مع جميع المعنيين مع الحكومتين السورية واللبنانية وغيرهما من البلدان المضيفة المجاورة، فضلاً عن المجتمع الدولي، من أجل تبديد المخاوف التي يشير إليها اللاجئون كمعوّق أمام عودتهم بأعداد كبيرة، فضلاً عن زيادة الدعم الذي تشتدّ الحاجة إليه في سوريا”.
رضوان عقيل – النهار