ذو الفقار قبيسي – اللواء
«دعسة ناقصة». هكذا يمكن وصف إقرار مجلس النواب اقتراح قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات البنك المركزي والوزارات والادارات العامة لمدة سنة، في خطوة وصفتها الكتل النيابية بـ «الإيجابية». مع أن سلبيات القرار تفوق إيجابياته في الكثير من المواقع ومنها:
أولا: برغم العلاقة الوثيقة بين حسابات المصارف وحسابات مصرف لبنان فان القرار لا يشمل رفع السرية عن حسابات المصارف، ودون ذلك لا يمكن الوصول الى النتائج المرجوة.
ثانيا: يرفع القرار السرية عن الوزارات والإدارات العامة دون أن يشمل حسابات مؤسسات المتعهدين والمتعاملين مع الوزارات والإدارات، والتي ستبقى «مستورة» لن يعرف التدقيق الجنائي شيئا عن خفاياها ودهاليزها والطرق التي أمكن بها تحقيق مكاسب ومنافع في ظل محاصصات سياسية أوصلت البلاد الى كوارث مالية وفواجع اقتصادية. وكونها لم ترفع السرية عن حساباتها في المصارف ستبقى عصية على التحقيق معها محصنة بقانون سرية المصارف للعام ١٩٥٦ الذي ما زال ساري المفعول وتختبئ في عباءته كل الممارسات المالية غير الشرعية التي ستبقى دون حوكمة أو مساءلة كونها تمسّ بطبقة سياسية بكاملها اكتسبت على مر الزمن «فنون» و«مواهب» إصدار القوانين الحافلة بثغرات تجعلها في النهاية دون مفعول، وعلى نموذج البيت القائل: «أكلت حلاوة وشربت ماء فكأنني لا أكلت ولا شربت»!
ثالثا: تحديد القرار مدة رفع السرية المصرفية سنة واحدة فقط أعطى انطباعا بأن المقصود أن تنتهي السنة دون أن تكون الاجراءات الأولية للبدء بالتدقيق الجنائي قد انجزت، وان الهدف من القرار شراء الوقت و«التمييع» لا التنفيذ، حيث السنة الواحدة لا تكفي لعقد مفاوضات مع شركة تدقيق جديدة مؤهلة للقيام بالمهمة المطلوبة، والتدقيق في حسابات مصرف مركزي بكل الاجراءات والقرارات والتعاميم والسياسات النقدية المتبعة على مدى ٢٧ عاما منذ العام ١٩٩٣ إضافة إلى التدقيق بحسابات ومعاملات عشرات الوزارات والادارات العامة ذات الصلة بالعلاقة مع البنك المركزي.
رابعا: من المستغرب أن كل هذه الثغرات التي تشكّل حواجز عالية في وجه التدقيق الجنائي لم تكن موضع نقاش في الجلسة النيابية التي جرى في نهايتها «تهريب» قرار رفع السرية بكل نواقصه وبشكل سريع وعابر وبعمر قصير لا يتعدى السنة الواحدة مقصود بها أن يولد كي لا يعيش!
خامسا: كما من المستغرب أن رئيس الجمهورية الذي عقدت الجلسة كما قال بناء على الرسالة التي وجهها في ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٠ الى مجلس النواب للتعاون مع السلطة الاجرائية لتمكين الدولة من اجراء التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وبالرغم من كل الثغرات في قرار رفع السرية المصرفية، اكتفى بالاعراب عن تقديره للقرار معتبرا أنه جاء ترجمة لرغبته في أن يوضع موضع التنفيذ.
وكما في كل قرار، العبرة بالتنفيذ!