ليس سهلا على إيران أن تخسر رئيس جمهوريتها السيد إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان وعدد من مسؤوليها بشكل مفاجئ بفعل حادث مأساوي، خصوصا إذا كان هذا الرئيس محبوبا ولديه شعبية كبيرة، ورؤية إنمائية، وحريصا على التواصل مع المواطنين وزيارتهم دوريا في مناطقهم ومدنهم، وعلى تنظيم العلاقات مع دول الجوار، وإذا كان وزير الخارجية ناشط الى أبعد الحدود، يعلم الخفايا ويمتلك مفاتيح الدبلوماسية لفتح الأبواب المغلقة أمام بلاده.
ضخامة الحدث الجلل لم يُفقد إيران رباطة جأشها ولم يثن شعبها عن إستيعاب تداعياته الخطيرة، ما يؤكد أن الجمهورية الاسلامية أرست على مدار 45 عاما مؤسسات وأجهزة وإدارات يمكن أن تهتز عند أي مصاب أليم لكنها لا تقع، بل تعمل على لملمة الجرح والسعي الى تأمين إستمرار عمل الدولة وإنتظام الحياة العامة، وهذا ما قاله المرشد الأعلى السيد علي خامنئي للمواطنين منذ الساعات الأولى لسقوط المروحية الرئاسية، بأن “لا خوف من تداعيات سلبية على الوضع الداخلي نتيجة التطورات التي حصلت”.
سارعت إيران الى ملء الفراغ الذي حصل، حيث حل نائب الرئيس محمد مخبر في رئاسة الجمهورية بمباركة المرشد العام، وعُيّن محمد باقري خلفا للوزير عبداللهيان وهو مساعده ولديه باع طويل في الدبلوماسية الايرانية لا سيما في المفاوضات على الملف النووي مع الغرب، وجاء إجتماع الرئيس بالوكالة مع رئيس البرلمان والسلطة القضائية، ليؤكد أن إيران ماضية في تطبيق الدستور الذي يقضي بإنتخاب رئيس جديد للبلاد في مهلة أقصاها خمسين يوما.
مع إنتهاء أعمال التفتيش ونقل الجثامين من تلك البقعة الجبلية الوعرة الى المستشفيات تمهيدا للتشييع الرسمي والشعبي الذي سيجري اليوم، بوشرت التحقيقات لمعرفة أسباب سقوط الطائرة، والتي تركز على ثلاثة سيناريوهات أولها الحادث المناخي لجهة إرتطام الطائرة بأحد الجبال الشاهقة بفعل إنعدام الرؤية، وثانيها الخلل الفني في الطائرة نتيجة غياب الصيانة وقطع الغيار وعدم قدرة إيران على شراء المروحيات بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وثالثها الاستهداف الارهابي من قبل العدو الاسرائيلي.
ليست مستبعدة فرضية إرتكاب العدو الصهيوني جريمة من هذا النوع، لكن الوقائع لا تدعمها، خصوصا أن إسرائيل “ضُبطت عندما ضُربت”، فبعد الضربة التي وجهتها إيران الى الكيان الغاصب بالمسيرات البدائية والصواريخ وإستدعت أكبر إستنفار للدفاعات الجوية من دول عدة لحمايته، كان رد العدو خجولا أو معدوما عبر بعض العملاء الذين لم يقدموا ولم يؤخروا، وبالتالي فإن إسرائيل لن تغامر في عملية من هذا النوع قد تجر عليها ما تجره من ويلات ومن حرب لا تبقي ولا تذر، فضلا عن إدراك العدو بأن إغتيال رئيس جمهورية إيران لا يبدل شيئا في الصراع الايراني الاسرائيلي، ولا يبدل شيئا من إحتضان الجمهورية الاسلامية لمحور المقاومة والاستمرار في تقديم كل الدعم والمساندة له.
أما الفرضية الأولى التي تقول باصطدام المروحية بجبل شاهق، فهي مستبعدة لأن أي حادث من هذا النوع كان سيؤدي الى إنفجار المروحية وتحول الجثث الى أشلاء، لذلك فإن التركيز هو على الفرضية الثانية وهي الخلل الفني، وهذا ما أشار اليه وزير الخارجية الايراني الأسبق محمد جواد ظريف الذي حمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية سقوط المروحية بسب العقوبات التي تفرضها على إيران وتمنعها من تجديد أسطولها ومن صيانة الطائرات وشراء قطع الغيار لها، ما جعلها في حالة فنية سيئة قد يعرضها لأي حادث في أي وقت.
ربما تتحمل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية فرض العقوبات على إيران التي تعاني من سوء حالة طائراتها، لكن ذلك لا يمنع أن يصار الى الاهتمام بالمروحية الرئاسية لجهة تزويدها بالأجهزة والمعدات التي توفر لها الحماية أو تبقيها على تواصل مع الرادار أو برج المراقبة، حيث بدا واضحا أن ثمة تقصيرا فادحا في هذا المجال لا يمكن للحكومة الايرانية وأجهزتها المعنية أن تتجاوزه أو أن تتغاضى عنه.
غسان ريفي – سفير الشمال