يتزايد عدد الدول المعترفة بـ”فلسطين”، “دولة عربية ذات سيادة على أرضها” ويتناقص في المقابل عدد الدول الداعمة لإسرائيل، بعد تبدل واضح في مواقفها تجاهها على خلفية إرتكابها جرائم الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، الى حدود الادانة الواضحة، وصولا الى إلتزام بعض الحكومات لا سيما النرويج بالقرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في حال دخلا أراضيها.
كل ذلك، يعزز من هزيمة إسرائيل في عملية “طوفان الأقصى”، ويؤسس لهزيمة جديدة أمام “طوفان العالم” الرافض لإستمرار الحرب على غزة، ما يضاعف من تصدع علاقة الغرب دولا ومجتمعات مع إسرائيل التي بدأت تشعر بحصار غير مسبوق، إذ وجدت نفسها متهمة أمام محكمة الرأي العام العالمي على جرائمها الوحشية، ومستفردة بعدما بدلت الحكومات التي وفرت لها التغطية السياسية الشاملة لحربها وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية من مواقفها بعد هول المجازر الاسرائيلية وضغوط الطلاب والشعوب على حكوماتهم لإدانة الكيان الصهيوني.
لا شك في أن ملاحقة الاسرائيليين في بعض الدول وإتهامهم بالارهاب بشكل علني، يؤكد أن طوفان الأقصى أعاد صياغة العديد من الأفكار الغربية لجهة التعاطي مع إسرائيل التي تحولت من قاعدة عسكرية متقدمة للغرب في الشرق الأوسط الى عبء سياسي وأمني وإقتصادي عليه، ما يؤكد أن الحرب على غزة شكلت نقطة تحول في النظر إلى “إسرائيل”، وتنامي الحديث عن جرائم حرب وعنصرية وتطهير عرقي وغير ذلك من إدانات للكيان الغاصب.
وتترجم هذه التحولات، بانفكاك تركيا وابتعادها عن إسرائيل، وتجميد عمليات التطبيع مع بعض الدول العربية، ورفض أكثرية الأوروبيين مجتمعات ودولاً التعامل مع “الكيان” بسبب وحشيته، واستطلاع الرأي الذي قامت به المفوضية الأوروبية منذ سنوات وكشف أن غالبية الأوروبيين يعتبرون “إسرائيل” خطرًا على السلام العالمي، وتبدل النظرة الشعبية في أميركا الداعمة الأكبر لاسرائيل تجاهها، وكذلك عند النخب الذين يعتبرون أنها السبب الرئيسي لكره مواطني العالم للولايات المتحدة، وكذلك إنتقاد اسرائيل من قبل النخب اليهودية التي تتبرأ من أفعالها وسياساتها وتعتبرها السبب في ازدياد العداء لليهود في العالم، فضلا عن الانتقادات الواضحة التي وجهها الرئيس الأميركي جو بايدن للحكومة الإسرائيلية، وتحرك بعض الدول الأوروبية نحو معاقبة المستوطنين الإسرائيليين المرتكبين لأعمال عنف في الضفة الغربية، كما جاءت حركة الطلاب الجامعيين الاجتجاجية التي إنطلقت من جامعات الولايات المتحدة الأميركية لتتمدد الى سائر البلدان ما سيضاعف من حجم الضغوط.
على المستوى القانوني والقضائي تدخل إسرائيل الى قفص الاتهام كمجرمة حرب، وهي باتت للمرة الأولى في تاريخها موضع دعوى من جنوب أفريقيا تتهمها بإرتكاب جريمة الابادة الجماعية، وإذا كان الكيان الغاصب رفض تنفيذ طلب محكمة العدل الدولية بإتخاذ إجراءات لمنع الابادة الجماعية، فإن أهمية المحاكمة تكمن في فضح جيش العدو وفتح الباب مستقبلاً أمام محاكمات جديدة للكيان. علما أن مجرّد رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” خطوة مهمة على مستوى الرأي العام الدولي، لا سيما في ظل استياء شعبي غربي من السلوك الحربي الإسرائيلي، وهذا ما يزيد من تطويقها وعزلتها أكثر فأكثر، ويحرج في الوقت نفسه حلفاء إسرائيل الذين لم يعد أمامهم سوى التراجع عن دعم وتأييد توجهاتها أو إستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الذي شهد بدوره وللمرة الأولى تحولا في الموقف الأميركي عندما تبنى المجلس قرارا في 25 آذار الفائت يدعو الى وقف إطلاق النار على غزة، ويطالب بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. من دون أن تُرفع اليد الأميركية إعتراضا مكتفية بالامتناع عن التصويت.
ثمانية أشهر ونيف على بدء العدوان الصهيوني على غزة، والهزائم تتوالى على إسرائيل ميدانيا وعسكريا وإستراتيجيا وسياسيا وإقتصاديا ومعنويا، وما لم تستطع إسرائيل تحقيقه في البداية على صعيد أهداف الحرب لن تستطيع الوصول إليه اليوم، خصوصا أنها ما تزال تفاوض المقاومة الفلسطينية التي تتعاطى بندية مطلقة في ملف الأسرى وتفرض شروطها لا سيما على صعيد وقف إطلاق النار.
غسان ريفي – سفير الشمال