لا يراهن اللبنانيون كثيراً على نتائج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل بيروت اليوم، بعد تأجيل متكرر إمتد أشهراً عدة، بسبب إندلاع الحرب في غزة في ٨ تشرين الأول من العام الماضي، وكذلك كان مصير الزيارة المقررة في شباط بسبب سقوط الهدنة في غزة.
والمعلومات الأولية حول توقيت الزيارة الحالية، رغم عدم توقف الحرب في غزة، تُفيد أن الموفد الفرنسي يحاول إنقاذ مهمة سفراء الخماسية، التي قطعت شوطاً كبيراً في إعداد الأرضية اللازمة لإجراء الإنتخابات الرئاسية، فور وقف النار في غزة، وعدم تضييع المزيد من الوقت في الإتصالات مع الأطراف اللبنانية للتوافق على آلية الإنتخاب الرئاسي، في حال ترك الأمور على ما هي عليه من خلافات وإنقسامات بين الأفرقاء السياسيين، الذين أصبحوا أسرى مواقفهم المعاندة، وربما يحتاجون إلى من يساعدهم للنزول عن الشجرة، وإعادتهم إلى أرض الواقعية السياسية، في التعاطي مع الأزمات التي يتخبط فيها البلد منذ خمس سنوات، دون ظهور بصيص نور في نهاية الأفق الحالي.
وعلى خلفية الواقعية السياسية، والتعقيدات المحيطة بالوضع الداخلي المتردي، أدركت الخماسية أن معالجة أزمة الثقة التي تُباعد بين القيادات السياسية والحزبية، هي الخطوة الأساس للولوج إلى آفاق الحلول الوطنية للأزمات اللبنانية، وفي مقدمتها إنهاء الشغور الرئاسي، ووضع البلد على سكة الإنقاذ.
وإستعادة الثقة لا يمكن أن تحصل دون التواصل المباشر بين الأفرقاء المختلفين لحسابات حزبية وشخصية، لا علاقة للمصالح الوطنية العليا بها. وتم إعتماد التشاور بين النواب تحت قبة البرلمان، سبيلاً لحلحلة العقد المتحكّمة بالخلافات السياسية المزمنة، ولكسر الجليد الذي يحيط بالقطيعة غير المسبوقة بين القيادات ورؤساء الأحزاب، فضلاً عن محاولة التوصل إلى خيارات مشتركة تحت عنوان البحث في الخيار الثالث.
وحديث الخماسية عن «الخيار الثالث»، لا يعني بالضرورة إتخاذ موقف عدائي ضد أحد من المرشحين، وخاصة الوزير السابق سليمان فرنجية، بقدر ما يُجسد هذا الكلام المواصفات التي وضعها إجتماع وزراء الخارجية الخمسة في الدوحة في تموز من العام المنصرم، والتي أكدت على ضرورة أن يحظى الرئيس المنتخب بأوسع تأييد سياسي ممكن، وأن يكون على علاقة جيدة مع مختلف الأفرقاء السياسيين، وأن لا يشكل وصوله إلى قصر بعبدا إنتصاراً لمحور سياسي معين، وإستفزازاً لمحور سياسي آخر، حتى يستطيع أن يمارس مهامه الدستورية كحَكَم بين الأطراف السياسية، وليس كفريق في خارطة الخلافات الداخلية المعقدة.
زيارة لودريان تساهم في تعويم مهمته، وإخراجها من الجمود الذي فرضته حرب غزة على العديد من الإستحقاقات في لبنان والمنطقة. وهي في الوقت نفسه دعم لجهود سفراء الخماسية في تحقيق «إختراق ما» في جدار أزمة الثقة بين الأفرقاء السياسيين.
صلاح سلام – اللواء