استمع المسؤولون القطريون باهتمام إلى مقاربة الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط للشأن اللبناني خلال لقاءاته الأخيرة معهم في الدوحة.. فماذا عن محتوى هذه الزيارة؟
من المعروف انّ قطر تملك خبرة وافية في الملف اللبناني بعدما اختبرت تعقيداته وتوازناته من قرب خلال استضافتها الحوار الشهير بين القيادات اللبنانية عام 2008، والذي أفضى إلى ولادة «اتفاق الدوحة»، وهو اتفاق ظل ناظماً لإيقاع الحياة السياسية على امتداد سنوات، بعدما أقرّ سلة تفاهمات على رئاسة الجمهورية وقواعد تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب.
وانطلاقاً من هذه «الخبرة» يدرك القطريون أن لا مفرّ في نهاية المطاف من العودة إلى شكل من أشكال الحوار او التشاور لإيجاد مخرج من المأزق الرئاسي الحالي، وبالتالي هم لم يكونوا بعيدين عمّا سمعوه من جنبلاط في هذا الصدد خلال النقاشات التي دارت بينهم وبينه.
وكان رئيس الوزراء القطري قد وجّه دعوة إلى جنبلاط لزيارة الدوحة قبل حلول شهر رمضان المبارك الماضي، لكن الظروف لم تسمح بحصولها إلّا منذ أيام.
وقطر التي تعاملت بحفاوة مع جنبلاط واجتمع أميرها به، كانت مهتمة بمعرفة وجهة نظره المفصّلة حيال الأزمة الرئاسية والحلول الممكنة لها، لاقتناعها بأنّه من بين الشخصيات الأكثر واقعية ووسطية خلال المرحلة الحالية، على مستوى التعاطي مع هذه الأزمة بعيداً من الاصطفافات الحادة والسقوف المرتفعة، وبالتالي فإنّ القطريين اعتبروا أنّ اللقاء معه سيكون مفيداً لهم في تكوين انطباع موضوعي عن الوضع الراهن ومحاولة استكمال أجزاء «البازل» اللبناني المبعثر.
وبهذا المعنى، استفسرت الدوحة زائرها اللبناني عن تصوره للمخرج الممكن من نفق الشغور الرئاسي، فكان رأيه أنّ إنجاز عملية الانتخاب يحتاج إلى تفاهم داخلي على رئيس يكون مقبولاً لدى معظم القوى الأساسية، لافتاً إلى أنّ تحقيق هذا الأمر يتطلّب أن تذهب تلك القوى إلى حوار أو تشاور في ما بينها.
وقد شعر جنبلاط بأنّ قطر متفهمة لطرحه، وبالتالي هي ليست ضدّ منطق التفاهم الداخلي لتسهيل انتخاب الرئيس، خصوصاً انّها تعرف جيداً معنى التسوية وجدواها انطلاقاً من كونها كانت عرّابة مؤتمر الدوحة الذي أدّى لاحقاً إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان.
وقد تفادى المسؤولون القطريون خلال مداولاتهم مع جنبلاط الدخول في لعبة الأسماء المؤهلة لتولّي رئاسة الجمهورية، مفضّلين التركيز على البحث في المبادئ العامة التي يمكن أن تكون ناظمة لعملية الانتخاب.
ولكن هذا الحراك القطري لا يعني انّ هناك أي اتجاه نحو إطلاق مبادرة منفصلة عن مسعى «الخماسية»، من نوع تنظيم مؤتمر دوحة ـ 2 ، او ما شابه، بل هو يندرج على نحو أساسي في سياق «الاستماع» و»النصح»، علماً انّ قطر هي إحدى مكونات «اللجنة الخماسية» التي تمّ «تلزيمها» الاستحقاق الرئاسي، بلا طائل حتى الآن، مع الاشارة إلى أنّ اللجنة أبدت في بيانها الأخير اقتناعاً بمبدأ التشاور كجزء من الممر الإلزامي إلى قصر بعبدا.
ورداً على رفض اطراف في المعارضة مبدأ السعي الى توافق مسبق على هوية الرئيس، تتساءل مصادر في الحزب «التقدمي الاشتراكي»: «اذا عُقدت جلسات نيابية مفتوحة وانتهت إلى فوز مرشح بأكثربة بسيطة وفق مقتضيات اللعبة الديموقراطية المجرّدة، على أساس غالب ومغلوب، فكيف سيحكم الرئيس الفائز في اليوم التالي وسيشكّل حكومة وما إلى ذلك؟ وهل القوى السياسية التي خسرت المعركة وسط انقسام حاد حول الخيارات الاستراتيجية ستُسلّم بالنتيجة كما لو انّ لبنان دولة اسكندينافية، أم ستعطّل قدرة رئيس الجمهورية على الحكم ما دام قد وصل بالتحدّي؟
وتستغرب المصادر ان يبرّر البعض معارضته للحوار أو التشاور برفضه تكريس أعراف جديدة على حساب الدستور، في حين سبق لهذا البعض نفسه أن شارك في عدد كبير من طاولات الحوار الوطني في مناسبات واستحقاقات كثيرة، فما الذي تغيّر اليوم؟ وهل التمسك بالدستور مسألة استنسابية؟ مشدّدة على انّ الحوار في بلد متنوع كلبنان يشكّل قاعدة أساسية لمواجهة التحدّيات وإنجاز الاستحقاقات.
عماد مرمل – الجمهورية