كتب د. خضر ياسين
يعتبر الحوار وسيلة راقية وصلة تواصل وتشارك للأفكار وحتى للهواجس والفرضيات بين الأطراف السياسية التي تتبنى وجهات نظر مختلفة سواء بشكل جذري أم نسبي، من أجل التوصل إلى حل مشترك مقبول منها، تحقيقآ للمصلحة العامة، حيث يشكل الحوار سدآ في وجه أي مشروع أو مخطط لزيادة الإنقسام بين أطراف الوطن الواحد.فمنذ تاريخ ٢٠٢٢/١٠/٣١ دخل لبنان في الفراغ الرئاسي في سدة رئاسة الجمهورية، في ظل أوضاع سياسية وأمنية ومالية وإقتصادية إستثنائية، نذكر منها: حكومة تصريف أعمال، الإعتداءات الإسرائيلية، طرح قضية الحدود البرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، أزمة الوجود السوري غير الشرعي على الأراضي اللبنانية، حاكم مصرف لبنان منتهية ولايته يحل محله حاكم بالإنابة، قضية أموال المودعين، وغيرها.
إنطلاقآ من ذلك لم تكن دعوة دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري للحوار مستجدة، حيث وجّه خلال الاشهر المنصرمة دعوات عديدة للكتل النيابية للجلوس على طاولة حوار للإتفاق على مرشح للرئاسة ومن ثم انتخابه، وذلك بعدما فشل المجلس النيابي في هذه المهمة خلال (١٢) جلسة برلمانية انتخابية، إلاّ أن هذه الدعوة لم تحظَ بقبول مختلف الأطراف السياسية التي تطالب بعقد جلسة مفتوحة وبدورات متتالية إلى حين حصول انتخاب أحد الأشخاص لرئاسة الجمهورية، وفي هذا السياق نبدي ما يلي:
أولاً: حرص دولة الرئيس نبيه بري على احترام القواعد الدستورية المتعلقة بتأمين االإستحقاق الإنتخابي ضمن المهل المحددة، وخاصة المادة (٧٣) من الدستور التي تنص على صلاحية رئيس المجلس بتوجيه الدعوة إلى المجلس النيابي من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث وجّه دولته (١٢) دعوة لهذه الغاية سبقت دعوته إلى الحوار لأن هذه الجلسات لم تنجح في تحقيق عملية الإنتخاب.
ثانيآ: إن المطالبة بعقد جلسات مفتوحة بدورات متتالية وفقآ لما يطالب البعض، سوف يجعل المجلس منعقدآ بصفته هيئة انتخابية فقط، وبالتالي يُمتنع عليه أن يقوم بأي صلاحية أخرى، ولا يحق له التشريع، لذلك يحرص دولة الرئيس نبيه بري على حفظ وتعزيز الدور التشريعي للبرلمان من خلال توجيهه للدعوات وفقآ لقاعدة جلسة انتخابية بدورات متتالية، وهذا مثلا ما حصل في الجلسة الأخيرة حيث كانت نتيجة الدورة الأولى (٥٩) للمرشح جهاد أزعور و (٥١) للمرشح سليمان فرنجية، ولكن لم يُكتَب للدورة الثانية الإنعقاد بسبب فقدان نصاب الجلسة.
ثالثآ: لا يعتبر الحوار طارئا على طبيعة نظامنا السياسي، أو على آلية انتقال السلطة، أو على إدخال تعديلات جذرية على نظامنا الدستوري، فمن خلال السوابق التاريخية أدى الحوار الوطني في الطائف عام ١٩٨٩ إلى تغييرات هامة في العديد من المواد الدستورية، وهذا يؤشر إلى أن التعديل الدستوري يحتاج الى (توافق/تفاهم) بين المكونات السياسية اللبنانية، كما نجح الحوار في العام ٢٠٠٨ إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد فراغ رئاسي استمر ٩ أشهر، ونضيف هنا أن انتخاب الرئيس ميشال عون حصل أيضآ بموجب ما يعرف (بإتفاق معراب)، وهو إتفاق سابقٌ لعملية الإنتخاب،وسابق لإنعقاد جلسة الإنتخاب، تمامآ كما هو طرح الحوار المعلن عنه من قبل الرئيس نبيه بري.رابعآ: ليس صحيحآ أن الحوار أو التفاهم او التشاور أو التوافق، معارضٌ للدستور، بل على العكس تمامآ، هو خطوة تتماشى معه ولا تحل بديلآ عنه.فالعديد من المواضيع الدستورية والقضايا الوطنية تحتاج إلى ذلك، من هذا المنطلق تأتي دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار لإنتخاب رئيس الجمهورية، باعتباره وسيلة تؤسس لضرورة تقوية عامل الوحدة الوطنية والإستقرار الداخلي وجمع اللبنانيين على المصلحة العامة وتقريب وجهات النظر فيما بينهم بشأن المواضيع والإستحقاقات الوطنية.فمثلآ الفقرة (ح) من مقدمة الدستور تنص على أن إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خط مرحلية. المادة (٢٢) من الدستور تتضمن ما يلي: مع انتخاب أو مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. المادة (٦٥) من الدستور تتحدث بشكل واضح وصريح ومباشر عن آلية (التوافق) بشأن القرارات في جلسة مجلس الوزراء حيث جاء فيها (…. ويتخذ قراراته توافقيآ، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت). المادة (٩٥) من الدستور تتضمن الحديث عن تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية برئاسة رئيس الجمهورية وتضم بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية وتكون مهمة الهيئة دراسة اقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.بالإضافة إلى هذه المواضيع الدستورية نضيف موضوع الإستراتيجية الدفاعية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
لذلك بعد هذا الحديث تتضح لنا أهمية دعوة الرئيس نبيه بري المستمرة إلى الحوار بين اللبنانيين ليس فقط فيما يتعلق بتأمين انتخاب رئيس الجمهورية، وإنما بشأن كل تلك المواضيع المطروحة، حيث نسأل: كيف يمكن حل هذه المواضيع؟ أليس من خلال الحوار،أو التفاهم، أو التوافق(مهما كانت التسمية) بين الأطراف السياسية في لبنان؟ هنا يبرز البعد الوطني الحقيقي والعميق للدعوة إلى الحوار.