عام صعب أبى أن ينتهي دون حرمان مسيحيي العالم من مظاهر الاحتفال التقليدي بميلاد اليسوع؛ لتغير جائحة كورونا طقوس عمرها مئات السنين.
إغلاق إجباري فرضه فيروس “كوفيد-19” على معظم أرجاء العالم مع اقتراب ليلة عيد الميلاد (الكريسماس)؛ للحيلولة دون التجمعات التي يتفشى معها الوباء، لتقتصر طقوس احتفالات ميلاد سيدنا المسيح على الصلاة داخل المنازل وتبادل التهاني في العالم الافتراضي.
طقوس الميلاد
عيد الميلاد (الكريسماس) هو طقس سنوي لإحياء ذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام (اليسوع)، يحتفل به مسيحيو العالم خلال الفترة من 25 ديسمبر/كانون الأول حتى 7 يناير/كانون الثاني، وفقًا للتقويم الذي تتبعه كل كنيسة، وهو أحد طقوس موسم الأعياد الذي يبدأ بصوم الميلاد ويستمر لمدة 12 يوما.
ورغم أن شهر وتاريخ ميلاد يسوع غير معروفين، حددت الكنيسة في أوائل القرن الرابع (منذ مجمع نيقية عام 325) تاريخ 25 ديسمبر موعدا للاحتفال طبقا للتقويم الغريغوري، الذي يتوافق مع تاريخ الانقلاب الشتوي في التقويم الروماني، لكن بعض الكنائس تحتفل به يوم 7 يناير طبقا للتقويم اليولياني.
ورغم اختلاف البلدان تشمل العادات الاحتفالية المرتبطة بعيد الميلاد، ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، مجموعة من الطقوس على رأسها إقامة القداسات والصلوات داخل الكنائس، واجتماعات عائلية واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة عيد الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وإنشاد الترانيم الميلاديَّة وتناول عشاء الميلاد.
ووفقا لموقع “الأنبا تكلا”، تتكون كلمة كريسماس (Christmas) من مقطعين: الأول هو “Christ” ومعناها (المخلِّص) وهو لقب للمسيح، والثاني “mas” وهي مشتقة من كلمة فرعونية معناها (ميلاد)، وتظهر هذه التسمية التأثير الديني للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القرون الأولى بالحياة الفرعونية.
قداسات العيد
طغت مظاهر الإغلاق العام لتحجيم تفشي وباء كورونا على احتفالات الكريسماس هذا العام، خاصة ما يتعلق بإغلاق الكنائس وإلغاء قداسات الميلاد أو إقامتها مقتصرة على الكهنة وكبار رجال الدين المسيحي أو بحضور شعبي محدود في بعض الدول.
كنيسة بيت لحم في فلسطين أو ما تعرف بـ”كنيسة المهد”، أهم موقع ديني يتردد عليه المسيحيون من حول العالم في ذكرى ميلاد سيدنا عيسى، ستكون مغلقة هذا العام خوفا من تفشي فيروس كورونا، خاصة أن منطقة بيت لحم كانت بؤرة الوباء الأولى في فلسطين.
كنيسة المهد، التي شيدت على المغارة التي ولد فيها السيد المسيح، ليست الوحيدة التي أغلقت وحرمت الملايين من مسيحيي فلسطين والعالم من قداس الميلاد، فهناك أيضا كنائس ذات التاريخ العريق مثل “القديس برفيريوس” التي يزيد عمرها 1602 عام، مغلقة أيضا لتؤدى الصلوات في المنازل، أو يتابعها المهتمون عبر البث المباشر.
أما الفاتيكان، فمن المقرر أن يقيم البابا فرنسيس الأول قداس عشية عيد الميلاد في كنيسة القديس بطرس، مع جمهور محدود العدد وإجراءات وقائية مشددة لمنع عدوى كورونا، وهذا ينطبق على أغلب كنائس العالم.
الكنائس المصرية، التي تحتفل بأعياد الميلاد المجيد خلال الفترة من 25 ديسمبر وحتى 7 يناير وفقًا للتقويم الذي تتبعه كل كنيسة، تقيم القداسات هذا العام وسط إجراءات احترازية مشددة، بعضها تعقدها دون شعب لتقتصر على كهنة الكنيسة و5 شمامسة فقط، وأخرى بحضور شعبي محدود للغاية.
بالنسبة للمسيحيين، فإن الحضور إلى الكنيسة عشية عيد الميلاد أو يوم عيد الميلاد يلعب دورا مهما في الاحتفال بموسم الأعياد، وتعد هذه فترة حضور الكنيسة الأعلى سنويا إلى جانب عيد الفصح.
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها “LifeWay Christian Resources” عام 2010 أن 6 من كل 10 أمريكيين يحضرون خدمات الكنيسة خلال هذا الوقت، أما في المملكة المتحدة، أفادت كنيسة إنجلترا بحضور يقدر بنحو 2.5 مليون شخص في قداس عيد الميلاد عام 2015.
شجرة الميلاد
أحد أبرز مظاهر الاحتفال بالكريسماس إضاءة “شجرة عيد الميلاد” داخل المنازل وفي الشوارع والمقاهي والأماكن العامة والمفتوحة؛ تعبيراً عن الفرحة والبهجة باستقبال ليلة ميلاد اليسوع.
هذا العام يقتصر إضاءة شجرة ميلاد اليسوع والاجتماع حولها على المنازل، إذ حرمت إجراءات الإغلاق العالم لمكافحة وباء “كوفيد- 19” أغلب العالم من الاحتفال في الشوارع أو الأماكن المغلقة خوفا من التقاط العدوى.
وهي عبارة عن شجرة خضراء مختلفة الأحجام ترمز للحياة والنور، وتنصب مع بداية صوم الميلاد مزينة بالهدايا المغلفة بألوان حمراء وذهبية وتستمر حتى عيد الغطاس.
تاريخيا، ظهرت شجرة الميلاد لأول مرة خلال القرون الوسطى في ألمانيا الغنية بالغابات الصنوبرية دائمة الخضرة، عندما دخلتها المسيحية على يد البابا القديس بونيفاس، بالتحديد في القرن السادس عشر مع وجود سجلات تشير إلى وضع شجرة عيد الميلاد في كاتدرائية ستراسبورغ عام 1539 تحت قيادة المصلح البروتستانتي مارتن بوسر.
ثم انتقلت إلى فرنسا مع إدخال الزينة إليها بالشرائط الحمراء والتفاح والشموع، حيث اعتبرت رمز لشجرة الحياة المذكورة في سفر التكوين، وأضيئت أول شجرة على يد إدوارد جونسون عام 1882.
في بريطانيا بدأ تقليد شجرة الكريسماس في العهد الفيكتوري، وهو الوقت الذي اعتلت فيه الملكة فيكتوريا العرش بين عامي 1837 و1901، فكانت هي وزوجها الأمير ألبرت من أكبر عشاق شجرة الكريسماس.
أما في الولايات المتحدة فظهرت شجرة الميلاد على استحياء في بنسلفانيا عام 1747 على أيدي مستوطنين ألمان، لكنها لم تنتشر هناك حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث كان أغلب الأمريكيون يعدونها رمزا وثنيا.
بابا نويل
بزي يطغى عليها اللون الأحمر ولحية ناصعة البياض، يطل بابا نويل حاملاً كيسه الممتلئ بالهدايا ليلة عيد الميلاد، صورة اعتاد الجميع خاصة الأطفال على رؤيتها في الكريسماس لكن كورونا حرم محبي “سانتا كلوز” من هباته هذا العام.
لقاء بابا نويل هذا العام كان مختلفا باختلاف إجراءات كل دولة، هناك من سمحت له بالتجول مع اتخاذ الإجراءات الوقائية المشددة لحماية الأطفال من العدوى، وأخرى وافقت على جلوس سانتا كلوز خلف حاجز من الزجاج لينتظر المارة ويلفت انتبهاهم بالإشارات، بينما اقتصر وجوده في العالم الافتراضي ليلتقيه الصغار إلكترونيًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حتى الهدايا التي يحضرها للأطفال كانت مختلفة هذا العام، فاختار بابا نويل هدايا تليق بالحدث الأهم “فيروس كورونا”، لذا وزع كمامات ومطهرات على محبيه للتذكير بأهميتها في حماية البشرية من الجائحة الأخطر في العصر الحديث.
تاريخيا، جاءت فكرة بابا نويل من قصة القديس (نيكولاس) أسقف (ميرا) الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، فكان يوزع الهدايا على الفقراء وعائلات المحتاجين ليلا دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل.
التجمعات العائلية
يقتصر إحياء الكريسماس في أغلب الدول هذا العام على إقامة مظاهر الاحتفال داخل المنزل فقط، وتزيين شجرة الكريسماس مع ارتداء ملابس العيد وتبادل التهاني وإرسال الهدايا للأقارب والأحباب، ومشاهدة الأفلام الكلاسيكية أو الاستماع للأغنيات الخاصة بالمناسبة، وإعداد عشاء مميز يليق بالحدث.
ومن الواضح أن الجائحة قضت على أهم مظاهر الاحتفال وهي التجمعات العائلية حول مائدة العشاء وتبادل الأحاديث، والتقاط الصور وقضاء وقت مميز ينتظره الجميع من العام للعام.
أغلب الدول منعت الزيارات والتجمعات التي تزيد عن 3 أشخاص للحيلولة دون تفشي الفيروس، لكن بعضها سمح بذلك، مثل هولندا التي وافقت على استقبال العائلات 3 ضيوف للاحتفال معهم بالعيد.
أما إيطاليا فسمحت للمواطنين بالتنقل مرة واحدة يوميا في منطقتهم لزيارة الأقارب أو الأصدقاء، خارج أوقات حظر التجول الساري (من الساعة 10 مساءً حتى الساعة 5 صباحًا)، ووافقت على دعوة ضيفين إلى المنزل من الأقارب أو الأصدقاء، برفقة أطفالهم شرط ألا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا.
أيضا فرضت حكومات العالم إجراءات مشددة قضت على أهم مظاهر الاحتفال بالكريسماس، فأغلقلت المحال التجارية والملاهي ودور السينما والمسارح والمقاهي والمطاعم والحدائق العامة والبارات، مع إلغاء تقديم الكحول بجميع الأماكن العامة ومنع عروض الألعاب النارية.
وكالات