بعيدا عن الإنشاء و الكلام العاطفي ، كانت المدرسة الرسمية وستبقى مدرسة الفقراء ومتوسطي الدخل وذلك لعدة أسباب جوهرية وبنيوية، أهمها التكلفة البسيطة من تسجيل وكتب وزي مدرسي، إلى النقل والنشاطات والمصاريف اليومية. فلم يكن رب الأسرة يشعر بالكثير من الهم و الغم ولا يقع أسير الحيرة وتراه يتوجه مباشرة إلى أقرب مدرسة أو ثانوية رسمية في بلدته أو بالقرب منها لتسجیل اولاده، ويتملكه الإحساس بالفخر والعزة بانتماءه إلى المدرسة الوطنية التي خرجت عبر الأجيال الكثير الكثير من الطلاب الناجحين الذين كانت لهم البصمات والآثار الجلية في مجتمعاتهم وعلى مستوى الوطن. لكن هذا الواقع راح يتغير وخصوصا خلال السنوات الخمسة الماضية وذلك لعدة اسباب سنذكرها في مقالات أخرى .
فالوضع الاقتصادي والمالى للحكومات المتعاقبة فرض إيقاعا مختلفا على أداء وزارة التربية وبالتالي على أداء المدارس وبالثانويات الرسمية فتراجع المستوى التعليمي والتربوي ، وبالتالي فقدت المدرسة الرسمية ومع بروز الكثير من المدارس الخاصة، جودتها على حساب استمراريتها فكان الهم لدى وزارة التربية والمعنيين الأساسي استمرار هذه المؤسسة بالعمل ولو بالحد الأدنى من الجودة والإمكانيات حتى لا يقال بإقفال المدارس والثانويات الرسمية التي أصبحت تشكل عبئاً على وزارة التربية والحكومة.
وأمام هذا الواقع الصعب والأليم مازلنا نلمس الكثير من التسرب للطلاب والاساتذة على حد سواء نحو المدرسة الخاصة هذا التسرب الذي يترك الأبواب مشرعة امام رياح الطبقية التعلمية والاقصاء المدرسي ، مما يؤدي إلى انتاج جيل يفتقر إلى الكثير من الثقافة والحرية والقدرة على النقد و التحليل وهذا ما يظهر جليا من خلال بعض الدراسات التي تحاول رصد الواقع الأكاديمي في القطاع الرسمي ،وخصوصا على مستوى اللغات والرياضيات حيث نسب النجاح لا تتعدى الثلاثين بالمئة وهذا إن دل على شئ فإنه يدل على تدني مهارات التواصل الفعال والخطاب الموزون والنقد والتحليل عند الأغلب الاعم من طلاب المدارس والثانويات الرسمية ،هذا بالإضافة إلى تشكل الشخصية الواثقة القوية والقادرة على حل المشكلات.فالمدرسة الوطنية التي خرجت المعلمين والأطباء والمحامين والمهندسين والمحللين والرؤساء والوزراء والنواب عبر مسيرة طويلة من الابداع والرقي والتقدم والتفوق والتعب والجهد والسهر والبحث والتدريب والتأهيل ،تحولت في الآونة الأخيرة وللاسف إلى مؤسسات لتخريج وإنتاج الطالب المعلب والمسير والممنهج على الاستقبال والارسال دون أية قدرة على التحليل والنقد والإبداع ،فالمناهج التربوية التقليدية التي اعتمدتها وزارة التربية منذ العام ١٩٩٨،يضاف إليها الصنمية والخشبية والكلاسيكية والبيروقراطية الإدارية ،حولت الطلاب إلى ما يشبه الروبوت يتلقون ويستلمون ما وضع في إناء المدارس والثانويات.وعليه المطلوب من كافة الأجهزة الإدارية والتربوية والمفتشيات في وزارة التربية الإسراع إلى إخراج مناهج تربوية عصرية جديدة تحاكي واقع وخطاب ولغة العصر الرقمي الذي نعيش،مناهج تعمل على صقل مهارات الطالب الشخصية والأكاديمية والمهنية وتنتقل به إلى عالم المعرفة القائم على النقد والتحليل والتصويب والإبداع .