في وقت كان سفراء اللجنة الخماسية المكلفة متابعة ملف إنتخابات الرئاسة في لبنان (سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) ينتظرون ردّ الأطراف في لبنان على دعوتهم إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية شهر أيّار الجاري، إثر تحذيرهم من أنّه إذا لم يتحقق ذلك فإن إنتخاب رئيس للجمهورية يحتمل أن لا يحصل خلال هذا العام، وجّه المبعوث الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، تحذيراً لا يقلّ خطورة عن تحذير الخماسية، ولكن هذه المرة ليس بما يتعلق بالفراغ الرئاسي إنّما مرتبط بمصير لبنان كدولة.
فقد كشف مصدر سياسي أنّ لودريان أطلق خلال لقاءاته مع رؤساء الكتل النيابية عدّة تحذيرات، تتسم بالخطورة البالغة، “ركّز فيها على أنّ هناك فرصة تجب الإفادة منها لانتخاب الرئيس قبل حلول فصل الصيف، لئلا يطول أمد الفراغ الرئاسي سنة أو أكثر، وهذا يعني أنّ لبنان السياسي سينتهي ولن يبقى منه سوى لبنان الجغرافي، أيّ “أرض بلا دولة”، وهو موقف أكّده بشكل أو بآخر عضو كتلة الإعتدال الوطني النائب أحمد الخير الذي أوضح أنّ لودريان أكّد على “ضرورة حصول جلسات تشاور ضمن مهلة محددة، وانتخاب رئيس قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية خريف هذا العام”، محذّراً من أنّ “الكيان اللبناني في خطر في حال تمدّد الشغور الرئاسي أكثر”.
هذا التحذير الفرنسي من وجود خطر على الكيان اللبناني ليس الأوّل من نوعه الذي تطلقه فرنسا منذ الفراغ في كرسي رئاسة الجمهورية في 31 تشرين الأول من العام 2022، فقد سبق ذلك تحذير مسؤولين فرنسيين من أنّ لبنان “مهدد بالزوال نهائياً عن الخارطة في حال استمرار الأزمات فيه على ما هي عليه”.
هذا الخوف على مصير الكيان لم يأتِ من دولة هامشية وثانوية في أهميتها وعلاقتها بلبنان، إنّما جاء من فرنسا وهي البلد الذي يعرف تفاصيل لبنان جيداً في كلّ المجالات، وهي التي أسهمت في إنشاء الكيان اللبناني في العام 1920 وإعلانها دولة لبنان الكبير بعد فصله عن سوريا وضم الأقضية الأربعة والمدن الساحلية الأربع إليه، ما أسهم في ولادة كيان هجين لم يستطع ـ أو جرى منعه ـ في أن يتحوّل إلى كيان سياسي طبيعي برغم مرور أكثر من عام على ولادته.
هل تحذير لودريان ليس على هذه الدرجة من الخطورة وإنّما هو بمثابة حثّ للأطراف اللبنانيين على الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية؟ يمكن وضع ذلك كاحتمال، إنّما لا يمكن بالمقابل غضّ الطرف عن أنّ مبعوثاً فرنسياً على هذه الدرجة من الأهمية ومن المكانة أن يُلقي كلاماً جزافاً وعبثياً، أو أن لا يكون قد دقّق في كل كلمة يقولها قبل أن ينطق بها، ولعلّه هنا تكمن الخطورة على مستقبل ومصير الكيان برمته.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال