عاد المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الى فرنسا محملا بمزيد من الخلافات اللبنانية ومن التعقيدات التي تفرضها الإنقسامات السياسية حول الاستحقاق الرئاسي بين من يريد التشاور وبين من يرفضه بما في ذلك الشكليات حول الدعوة إليه ومن سيترأسه.
تشير المعطيات الى أن تصريح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حول “عدم إعطاء رئيس مجلس النواب نبيه بري صلاحيات ليست له”، كان له إرتدادات سلبية جدا لدى الثنائي الشيعي وحلفاءه، خصوصا أن جعجع لا يملك أن يعطي صلاحيات لأحد، لأن ذلك يحدده الدستور اللبناني فقط، كما أنه ليس وصيا على النواب أو على البرلمان لكي يتحدث بهذا المنطق السلبي.
وقد أوحى كلام جعجع أن هناك نية مبيتة لديه بضرب ومصادرة صلاحيات الرئاسة الثانية وكسر هيبتها، وهذا خط أحمر بالنسبة للرئيس بري الذي كان أبدى مرونة أمام سفراء الخماسية بإمكانية التنازل عن رئاسة الحوار الى نائبه إلياس أبو صعب، لكن كلام جعجع الاستفزازي أعاد الأمور الى المربع الأول، لجهة تشبث بري وإصراره على أن يكون الحوار برئاسة رئيس المجلس.
إنطلاقا من ذلك عاد لودريان خالي الوفاض، وهو باشر بإعداد ملف كامل عن الاستحقاق الرئاسي اللبناني لتقديمه الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعرضه في القمة المرتقبة التي ستجمعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في السادس من حزيران الجاري، حيث سيكون لبنان بندا أساسيًا على طاولة المباحثات.
وبانتظار البيان الختامي لهذه القمة وما سيحمل من مقررات وتوصيات، فإن لبنان سيكون أمام سيناريوهان يتعلقان بالهدنة التي تتضافر الجهود الدولية للوصول إليها في غزة.
الأول، أن تبصر الهدنة النور، وأن تتحرك الماكينات الأميركية والفرنسية والسعودية والقطرية والمصرية، إضافة الى تكتل الاعتدال الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي عبر مبادرته، لممارسة كل أنواع الضغوط لإيجاد حل سريع، من خلال تذليل العقدتين اللتين إنتهى اليهما الاعتدال، لجهة من يدعو الى التشاور ومن يترأس طاولته، حيث إقترح الاعتدال أن يكون هو الجهة الداعية الى التشاور، وأن يترأسه بري كونه رئيس المجلس والسن وكتلة نيابية.
هذا السيناريو قد يتيح الفرصة أمام عقد جلسات متتالية وإنتخاب رئيس عتيد للبلاد خصوصا أن الثنائي الأميركي والفرنسي متفقان على إتمام ذلك قبل الانشغال بالاستحقاق الرئاسي الأميركي، وقبل دخول أوروبا في العطلة الصيفية، وهو أمر ربما يكون متاحا، بناء لتجربة انتخاب الرئيس ميشال عون في العام ٢٠١٦ قبل الانتخابات الأميركية التي حملت دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
الثاني، أن تفشل جهود الهدنة، فتستمر الحرب وتتصعد داخل فلسطين وفي الجبهات المساندة ويمضي حزيران وبعده تموز في ظل الاستعصاء اللبناني، ما يعني ترحيل الملف الرئاسي الى العام ٢٠٢٥.
واذ تشير مصادر مطلعة الى أن هذا الأمر قد يكون مستبعدا مع رجحان كفة الهدنة، خصوصا أن العدوان الاسرائيلي على غزة ورفح بات عبئا على المجتمع الدولي لا سيما على الرئيس جو بايدن وحزبه الذي يخشى أن يدفع ثمنا باهظا في الداخل الأميركي نتيجة هذا العدوان، ترى أن الأمور مرهونة بمرونة الداخل اللبناني وبقياداته التي يجب أن تتحلى بالمسؤولية الوطنية وأن تتخلى عن الشكليات والسلبيات والأنانيات وأن يكون لديها النية الصادقة لإنتخاب رئيس للجمهورية، خصوصا أن كل الجهود الدولية اذا لم تقترن بالتفاهم على قواسم مشتركة لبنانية فإنها ستذهب أدراج الرياح!..
غسان ريفي – سفير الشمال