انتزداد أعداد ضحايا مكاتب السفر غير الشرعية عبر صفحات إلكترونية لبيع التذاكر. وزارة السياحة «عاجزة»، فيما المساهمون في ضرب القطاع هم بعض أصحاب المكاتب الشرعية، وشركة عالمية قيّمة على نظام حجز التذاكر الموحّد، وبعض «النصابين»
في «حملة العليلة» التي «نظّمها» رضا د.، قدّم عروضاً مغرية لزيارة الأماكن المقدّسة في العراق (450 دولاراً) مقارنةً بالأسعار المُتعارف عليها، إضافة إلى 100 ألف ليرة ثمن قسيمة للاشتراك في قُرعة يفوز من يربحها برحلةٍ مجانية. بعد لَمّ «الغلّة» التي تجاوزت 10 آلاف دولار من أفراد محدودي الدخل، أخرج منظّم الحملة المسافرين المُفترضين من مجموعة «واتساب» الخاصة بالحملة، بعد إعلامهم بأنه اضطرّ للتصرّف بأموالهم. ورغم أنه أكّد الرواية في شريط فيديو، ومكان سكنه معروف في منطقة حيّ السلم، لم يتحرّك أحد لإلقاء القبض عليه.«حملة العليلة» التي انطلقت عبر «فايسبوك»، تعيد إلى الأذهان كمّاً هائلاً من عمليات النصب في قطاع السياحة والسفر غير الشرعي. قبلها، أوقف جهاز أمن المطار عصابة تبيع المسافرين تذاكر سفر وهمية، واشترى عروسان رغبا في تمضية «شهر العسل» في البرتغال تذاكر سفر من سيدة ظلّت تتهرّب من تسليمها لهما، إلى ما قبل 48 ساعة من تاريخ السفر، عندما أبلغتهما بإلغاء الحجز وعرضت عليهما حجز تذاكر بأربعة أضعاف المبلغ المدفوع مع وعدٍ بردّ الأموال بعد عودتهما، وهو ما لم يحصل حتى الآن. وتبيّن أن السيدة احتالت على عائلات لبنانية وأخرى نازحة، أوهمتها بقدرتها على تأمين تأشيرات وتذاكر سفر إلى بلدان أوروبية.
وقبل عامين باعت صاحبة مكتب سياحة وسفر غير شرعي في منطقة صيدا الزبائن تذاكر إلكترونية مزوّرة بآلاف الدولارات. وضجّت المريجة، باسم حسن ف. الذي نظّم من داخل دكان في المنطقة حملةً لزيارة الأماكن الدينية في العراق وإيران، بكلفة أدنى من السعر المتعارف عليه بـ200 دولار. وبعدما حصّل حوالي نصف مليون دولار، اختفى، قبل أن يتمّ القبض عليه.
وإلى جانب هذه النماذج من منتحلي صفة أصحاب مكاتب سفر، هناك فئة (أفراد ومكاتب) تعمل بشكل غير قانوني، تحت غطاء مكاتب سفر كبيرة مرخّصة. ما يحصل هو التالي: تطلب بعض المكاتب المرخّصة من الشركة القيّمة على نظام الـ«GDS» (نظام حجز عالمي موحّد، وبمثابة وسيط بين وكالات السفر وشركات الطيران، تظهر من خلاله رحلات جميع شركات الطيران)، خلق حسابات (username) بأسماء مكاتب غير مرخّصة وأفراد يعملون من منازلهم، بحجّة أنّهم فروع لها أو يعملون لصالحها. ورغم أن قانون تنظيم المهنة ينص على أن يكون مكتب السفر وجميع فروعه حائزة على ترخيص سياحة وسفر فئة أولى من وزارة السياحة، وعلى وجود عنوان عمل واضح (مكتب) للاستحصال على نظام الـ«GDS»، تُخالف الشركة الأجنبية وبعض أصحاب المكاتب الشرعية النص القانوني الصريح. فالمكاتب الشرعية، يهمّها بيع أكبر عدد ممكن من تذاكر السفر، للاستفادة من حسومات تقدّمها لها شركات الطيران، إذا ما بلغت مبيعاتها رقماً معيناً، لذلك تشغّل أفراداً ومكاتب غير مرخّصة وتستحوذ على حصة كبيرة من السوق. في المقابل، ترفع الشركة المالكة الـ«GDS» من مردودها المالي، نظراً إلى أنها تستوفي من مكاتب السفر، بمعزل إن كانت مرخّصة أو لا، مبلغاً مالياً يُعرف بـ«بدل خدمات» لقاء كل تذكرة يتم حجزها عبر الـ«GDS». ومن جهة ثالثة، يحصل المتعاون، فرداً أو مكتباً غير مرخّص، على نسبة من سعر كل تذكرة يبيعها لصالح المكتب الشرعي.
بعض شركات الطيران اتّخذت إجراءات حمائية، كالخطوط المصرية والسعودية والإماراتية و«لوفتهانزا» التي حجبت عن المكاتب غير المرخّصة رؤية رحلاتها عبر نظام الـ«GDS». أما في الكويت، مثلاً، فإن نظام «GDS»، ليس متاحاً إلا للمكاتب المنضوية تحت اسم «الاتحاد الدولي للنقل الجوي» الـ(IATA). في المقابل، تستسهل «GDS» خرق القوانين في لبنان، مستفيدة من ترك الدولة لمواطنيها عرضة لكل أشكال الاستغلال. حتى إنّ الشركة، لم تكترث كثيراً لطلب وزير السياحة وليد نصار الالتزام بالقوانين والتوقّف عن خلق حسابات لمكاتب غير مرخّصة.
لا نقابة أصحاب مكاتب السفر ولا وزارة السياحة تملكان إحصاءً أو تصوّراً لعدد صفحات التواصل الاجتماعي والمكاتب غير المرخّصة. أما المكاتب الشرعية، فتشير أمينة سرّ النقابة، رقيّة حامد، إلى أنّ «عددها يقارب الـ700، من بينها 376 منتسبة إلى النقابة». ومن مجمل المرخّصين تقدّر حامد أن «نسبة المكاتب غير الفاعلة تراوح بين 10 و15%». وهذه جردة تجريها وزارة السياحة مرّة كل سبع سنوات، لكنها «لم تحصل منذ ما قبل الأزمة»، وفق مصادر الوزارة. ولكن، طالما أن صعوبةً تحول دون إحصاء ما هو غير شرعي، ما الذي يمنع الوزارة من جرد أسماء المكاتب المرخّصة لديها، وجرد تلك الفاعلة منها، ونشر الأسماء في خانة مخصّصة على موقع الوزارة الإلكتروني. ويبقى على عاتق المسافر، التأكد مما إذا كان اسم المكتب الذي ينوي التعامل معه وارداً في تلك اللائحة أم لا. هذا الاقتراح، تقول مصادر الوزارة «تمّ التفكير به لكنه لم يحصل».
محاولات المكافحة الوحيدة التي جرت أخيراً، هي عبارة عن تعقّب لجنة حماية منبثقة عن النقابة لصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصال بكلّ صاحب صفحة أو مكتب، والطلب منه إرسال نسخة عن ترخيصه، وإذا لم يفعل يُطلب منه إغلاق صفحاته أو مكتبه، أو تسوية وضعه القانوني. لكن طلب النقابة يبقى أحياناً من دون جدوى، بما أن التقيّد بتوجيهاتها غير ملزم، وعليه تلجأ لجنة الحماية إلى تقديم شكوى ضد المخالفين أمام وزارة السياحة. والأخيرة «تتحرّك في هذا الإطار»، وفق المصادر، التي تؤكّد «ملاحقة الشكاوى». لكنها تؤكد أيضاً «عدم قدرة الوزارة على تنظيم جولات ميدانية مباغتة على مكاتب السفر، للتأكد من استحواذها على تراخيص»، وتحيل العجز إلى «كلفة المحروقات المرتفعة وضآلة رواتب عناصر الضابطة السياحية»، واضعة الخلل في القطاع الذي يشكل 12% من حجم الاقتصاد الوطني، ضمن «الخلل العام القائم».
ندى أيوب – الاخبار