القطيعة التي تحكَّمت بالعلاقات المتوترة بين القيادات السياسية، بدأت تحل مكانها زيارات المبادرات من مختلف الكتل النيابية، مما يمكن إعتباره بمثابة تشاور غير مباشر بين الأفرقاء السياسيين حول الإستحقاق الرئاسي.
ولكن ما يجري حتى الآن غير كافٍ لتحقيق الاختراق المطلوب في جدار الأزمة السياسية، وتجاوز العقد الكأداء التي تعطل، ليس الإنتخابات الرئاسية وحسب، بل تشل كل الحركة السياسية في البلد، وتراكم المشاكل الإقتصادية والمالية والمعيشية التي ترزح تحت ضغوطها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
ويمكن إعتبار الخطاب الأخير لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية بمثابة «نقلة نوعية» في معالجات الإستحقاق الرئاسي، حيث إختصر، وبكثير من الواقعية السياسية، المشهد السياسي بوجود فريقين أساسيين متنافسين على السلطة، ومخلتفين في الخيارات السياسية. فريق الممانعة ومرشحه فرنجية شخصياً، حسبما هو معلن حتى اليوم. وفريق المعارضة الذي إعتبر فرنجية من الطبيعي أن يكون مرشحه هو سمير جعجع، الذي يترأس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان، مما يعني أنه هو الأقوى في طائفته، وفق القاعدة التي كان ينادي بها العماد عون وتياره السياسي، وإتخذها سبيلاً للوصول إلى قصر بعبدا.
بغض النظر إذا كنت مع طرح فرنجية أو ضده، لا بد من الإعتراف بالشجاعة السياسية لزعيم زغرتا، الذي إرتفع فوق جراحه، وطوى صفحة الثأر والكراهية، وكانت عنده الجرأة على طرح إسم جعجع في السباق الرئاسي، من القصر الذي شهد مجزرة أهدن وأودت بكامل عائلته، وفي ذكرى ذلك اليوم الأسود بالذات، ورغم سهام الإتهامات التي وُجهت لجعجع بتنفيذ تلك الجريمة البشعة.
يرى البعض أن ترشيح فرنجية لجعجع من شأنه أن يفتح الطريق أمام الإنتخابات، سواء من خلال «تسوية ما»، أو عبر جولات إنتخابية في مجلس النواب، في حال تعذر التفاهم على الخيار الثالث، خاصة وأن قرار وقف النار في غزة مطروح على التصويت في مجلس الأمن، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بالجهود الدولية، لا سيما الخماسية، لإنهاء الشغور الرئاسي، وإنتخاب رئيس الجمهورية.
بعض سفراء الخماسية يؤكد أن جولاتهم على القيادات السياسية مهّدت الأرضية اللازمة لإجراء الإنتخابات الرئاسية غداة وضع حرب غزة أوزارها، وعودة الهدوء إلى الجنوب اللبناني. وهذا يعني أن الكرة أصبحت في ملعب السياسيين اللبنانيين، دون إغفال أهمية الدور التقليدي للقوى الخارجية، في ترجيح كفة مرشح على آخر، في حال لم يأخذ النواب بكلمة السر التي سيحملها لهم «الروح القدس» وتتضمن إسم صاحب الفخامة المقبل.
فهل يكون ترشيح فرنجية لجعجع بداية فتح الطريق إلى قصر بعبدا؟
صلاح سلام – اللواء