شكلت زيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى عين التينة ولقائه الرئيس نبيه بري بداية لمحاولة نزوله عن شجرة المواقف العالية التي كان أسيرها طيلة الفترة السابقة، خصوصا لجهة قبوله بالحوار أو التشاور وبالآليات التي وضعها رئيس المجلس الذي رد التحية بأحسن منها وأكد أن “باسيل أفضل من غيره”.
مبادرة باسيل وإن كانت كغيرها من دون أفق في ظل الاستعصاء اللبناني تجاه الاستحقاق الرئاسي، إلا أنها ساهمت في كسر العزلة التي فرضتها مواقفه عليه، وساعدته نوعا ما على تغطية الأزمة الداخلية للتيار الوطني الحر، خصوصا أن “الرئيس البرتقالي” تعاطى مع بري بكثير من الايجابية، حيث شدد على ضرورة التشاور ومن ثم التوافق على مرشح رئاسي والذهاب الى جلسات متتالية، مؤكدا أن “الانتخاب من دون توافق قد يأتي برئيس خلافي وبعهد فاشل، ولبنان بحاجة الى رئيس توافقي قادر على إنجاح عهده وإيجاد الحلول للأزمات القائمة، لكن هذه الايجابية لم تتناغم بعد مع موقف الثنائي الشيعي حيال المرشح الرئاسي، حيث أصر باسيل على رفضه السير برئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
لا شك في أن موافقة باسيل على التشاور برئاسة بري، والمعلومات التي تحدثت عن مرونة أظهرها حزب الكتائب خلال إجتماعه مع وفد اللقاء الديمقراطي الذي زاره ضمن إطار مبادرته، من شأنهما أن يحاصرا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يصر على رفض التشاور برئاسة بري، ما يثير تساؤلات عدة، أبرزها: لمصلحة مَن يعطل جعجع إنتخابات رئاسة الجمهورية؟، وهل ما يزال يراهن على متغيرات إقليمية ودولية لمصلحة المحور الذي ينتمي إليه بما يعيد أجواء الثمانينيات؟، ولماذا شارك جعجع نفسه في الحوار الذي سبق ودعا إليه الرئيس بري في العام 2006 و2016؟ وماذا تغير اليوم؟، وإذا كان جعجع يعتبر أن التشاور هو مخالفة دستورية، أليس عدم إنتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة وثمانية أشهر هو مخالفة دستورية؟، وأليس تعطيل التشاور لحل الخلافات القائمة مخالفة أكبر، خصوصا أن الرئيس بري أكد أكثر من مرة أن التشاور سيكون من دون شروط مسبقة، وأنه لن يكون على إسم واحد بل على عدة أسماء ومن يربح “صحتين على قلبو”؟.
أمام هذا الواقع، يبدو الرئيس نبيه بري أمام مفترق طرق، فإما أن يبقى على موقفه في أن يكون الحوار جامعا بإنتظار تبدل موقف القوات الذي يبدو أنه يحتاج الى بعض الضغوط إذا كانت النوايا الاقليمية والدولية صافية وجادة لإتمام الاستحقاق، أو أن يعتمد قاعدة “آخر الدواء الكيّ” ويذهب الى الحوار بمن حضر ولتتحمل القوات مسؤولية مقاطعتها والعزلة التي بدأت تُفرض عليها.
يقول مقربون من عين التينة: إن الرئيس بري حريص على أن يكون الحوار بمشاركة الجميع، وأنه يرفض إقامته بمعزل عن القوات بما تمثله من مكون نيابي وسياسي أساسي في الساحة المسيحية، لكن الظروف الضاغطة قد تبدل من المعادلات خصوصا أن الخماسية المقتنعة بالتشاور قد تضغط لاحقا من أجل نصب طاولة التشاور بمن حضر، ومن ثم الانتقال الى الجلسات المتتالية في مجلس النواب، بنصاب مكتمل بعد موافقة باسيل على ذلك، وإمكانية تبدل مواقف الكتائب وبعض النواب من المستقلين والتغييريين، وعندها ستكون القوات كمن يطلق النار على نفسه، خصوصا أن باسيل أكد أكثر من مرة أن إنتظار التسوية الخارجية في الملف الرئاسي هو تفكير غير عقلاني، غامزا بذلك من قناة جعجع!..
غسان ريفي – سفير الشمال