تقوم المصارف بشطب جزء من الودائع الدولارية المحتجزة لديها بكل لحظة وكل يوم يمر على احتجازها، منذ أكثر من 4 سنوات. وقد شطبت خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي أكثر من مليار دولار، وإن بشكل غير مباشر. فالمصارف تفرض الهيركات من دون الإعلان عنه، لكنها تعترف بين الحين والآخر بتراجع قيمة الودائع بالعملات الأجنبية، في سياق عرضها لمؤشرات اقتصادية ومالية، وكأن الودائع تقلّصت بفعل سحب جزء منها من أصحابها.
إنما حقيقة الأمر هي أن المصارف تقتطع من الودائع ما يزيد عن 83 في المئة مع كل عملية سحب على سعر صرف الدولار 150000 ليرة، بدلاً من السعر الحقيقي للدولار 89500 ليرة. ففي التقرير الاقتصادي لجمعية المصارف (عدد نيسان) الصادر اليوم، تورد الجمعية الكثير من الأرقام، التي تعكس حجم وقاحة أعضائها وبجاحتهم باستمرار التعدّي على أموال المودعين والتعامل مع ذلك كواقع طبيعي.
وأحد تلك الأرقام الواردة في التقرير، نسبة تراجع قيمة الودائع بالعملات الأجنبية نتيجة “استفادة” المودعين من التعميمين 158 و151. فالمصارف تصف عمليات سحب المودعين من ودائعهم بموجب التعميم 151 بـ”الاستفادة”. وكيف يكون المودع قد استفاد من اقتطاع أكثر من 83 في المئة من أمواله؟
انخفاض قيمة الودائع
تُصدر جمعية المصارف التقارير الإحصائية لأعمالها، وحركة التسليف والاقتراض والاستيراد والتصدير والمالية العامة وكافة المؤشرات الاقتصادية والمالية، كما جرت العادة من دون أي تغيير، وكأنها تعمل بشكل طبيعي وظروف طبيعية، وهي التي فقدت قيمة وجودها. فلم يعد بإمكانها ممارسة أي من أعمالها لانعدام الثقة بها من قبل العملاء والمودعين المقيمين وغير المقيمين.
تورد جمعية المصارف بتقريرها المذكور، بأن ودائع القطاع الخاص بالعملات الأجنبية لدى المصارف تراجعت على نحو بسيط من 90.1 مليار دولار في نهاية شهر آذار 2024 إلى نحو 90.05 مليار دولار في نهاية شهر نيسان الماضي، ومن 91.28 مليار دولار في نهاية شهر كانون الأول من العام 2023.
ما يعني أنه منذ بداية العام 2024 وحتى نهاية شهر نيسان 2024، أي خلال 4 أشهر فقط تراجعت الودائع بالعملات الأجنبية بنحو 1.23 مليار دولار (أي من 91.28 مليار دولار إلى 90.05 مليار دولار). مع الإشارة إلى أن هذه الودائع تراجعت بشكل مستمر منذ بداية الأزمة، نتيجة استفادة المودعين من مضامين التعميمين 151 و158 إضافة عمليات حسم الشيكات وتسديد القروض.
تبرّر الجمعية تراجع الودائع بالعملات الأجنبية نتيجة الاستفادة من التعاميم 151 و158. وبالنظر إلى أن التعميم 151 يفرض على المودعين سحب أموالهم على أساس سعر 15000 ليرة للدولار، فهذا يعني أن الرقم الذي أوردته الجمعية لم يتم سحبه من قبل المودعين، إنما سُحب منه نحو 17 في المئة فقط. أما نسبة الـ83 في المئة المتبقية فيتم شطبها. فسحب 100 دولار على سبيل المثال من أصل الوديعة يتم تقاضيها من قبل المودع، مليون و500 ألف ليرة فقط (16.7 دولاراً واقعياً وعلى السعر الحقيقي للدولار) في مقابل شطب باقي المبلغ من الحساب أي نحو 83 دولاراً.
شطب غير مباشر
وحسب المعطيات، فإن السحوبات وفقاً للتعميم 158 لا تزيد عن 200 مليون دولار خلال أربعة أشهر. وعليه تكون المصارف قد شطبت فعلياً نحو مليار دولار من قيمة الودائع منذ بداية العام 2024 وحتى شهر نيسان من العام نفسه.
مع الأخذ بالاعتبار أنه بموجب التعميم 158 يتم سحب 300 دولار فقط. أما أي سحوبات تفوق هذا المبلغ فتتم على سعر 15000 ليرة للدولار.
وفي وقت تذكر فيه المصارف صراحة في تقريرها أنها تعتمد سعر صرف 89500 ليرة للدولار الواحد بدلاً من 15000 ليرة للدولار، في البيانات المالية الخاصة بها، اعتباراً من تاريخ 31 كانون الثاني 2024، وذلك تطبيقاً لتعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 167، ترفض اعتماد سعر صرف منطقي لسحب الودائع بالدولار، في محاولة لتذويب المزيد من الودائع بعلم ورضا مصرف لبنان والسلطة السياسية.
التسليفات
أما لجهة التسليفات الممنوحة من المصارف للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية، فقد ذكرت جمعية المصارف في تقريرها أنها تابعت تراجعها إلى حوالى 6.8 مليارات دولار في نهاية نيسان 2024، موزّعة بين 5.9 مليارات دولار للقطاع الخاص المقيم وحوالى 0.9 مليار دولار للقطاع الخاص غير المقيم، بالمقارنة مع 6.9 مليارات دولار في نهاية شهر آذار 2024 و7.6 مليارات دولار في نهاية كانون الأول 2023.
وتجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان فرض، بموجب التعميم الوسيط رقم 656 الصادر بتاريخ 20 كانون الثاني 2023، أن يسدّد المقترض غير المقيم دينه بالدولار النقدي ابتداء من الأول من شباط 2023.
وبذلك تكون التسليفات بالعملات الأجنبية إلى الودائع بالعملات الأجنبية قد بلغت نسبة 7.5 في نهاية نيسان 2024.
عزة الحاج حسن – المدن