حصل كما كان متوقعاً من تعثّر إن لم نقل فشل الحراك الرئاسي الأخير لكتلة «التيار الوطني الحر» وكتلة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، إذ انّ تعثّر حراك اللجنة الخماسية ومن ثم تكتل «الاعتدال الوطني»، كان مؤشراً واضحاً إلى حالة الإنكار السياسي الداخلي القائمة لضرورة معالجة أزمة الرئاسة في لبنان.
كان على الكتل النيابية التي قامت بمحاولات جديدة لكسر الحلقة المستعصية، ان تعي أنّ اللجنة الخماسية ألقت حملها على اللبنانيين لإعتقادها أن لامجال إلّا بتفاهم لبناني داخلي، وهو الامر الذي ظهر صعباً جداً إلى حدّ المستحيل، واستمر الخلاف بين القوى السياسية على الآليات والشكليات، لأسباب ما زالت في العمق غير واضحة، برغم اعلان الكتل النيابية المعارضة انّ اسبابها دستورية، وانّه لا يجوز تكريس أعراف جديدة… الى ما هنالك من اسباب اخرى معلنة. لكن غير المعلن ما زال في صدور اصحابه، وثمة من يقول انّ اسبابه خارجية، بينما يقول آخرون انّها اسباب داخلية تتعلق بحسابات الربح والخسارة وتثبيت المواقع والحضور الشعبوي.
على هذا… تركت اللجنة الخماسية الملعب اللبناني للاعبين اللبنانيين، واكتفت بلعب دور الحَكَمْ حيناً والمتفرّج حيناً آخر، ودور لاعبي الاحتياط احياناً، علّ اللاعبين اللبنانيين يتعبون فينزل فريق الاحتياط لإنقاذ الموقف وإيصال «الماتش» الى نهاياته أيّاً تكن النتيجة، لمصلحة هذا الفريق او ذاك او التعادل وهو المُرجّح.
ظهر من خلال حراك الاسابيع الماضية «للخماسية» و«الاعتدال» انّ الامور عالقة عند آليات الدعوة للتشاور والحوار. ومن ثم ظهر في حراك التيار والتقدمي، تقارب ملحوظ في أمرين: عقد التشاور النيابي وهو امر مقبول من الأغلبية النيابية. والاتفاق على مرشح ثالث للرئاسة، وهو مقبول ايضاً لكن من دون سحب ترشيح سليمان فرنجية.
كما اظهر حراك الجانبين ضمناً انّ رئيسي «التيار الحر» جبران باسيل وحزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يهدفان الى ان يكون كل منهما الناخب الأقوى للرئيس العتيد، إنطلاقاً من الحسابات السياسية والشعبوية ذاتها القائمة من سنوات، ولاقتناعهما بإستحالة انتخاب ايٍّ منهما. ولو انّ كلام رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رداً على معيار جبران باسيل عن انّ جعجع «له الأكثرية المسيحية النيابية وهو الأولى لأن يترشح للرئاسة»، قد اعادت «الحلم الى فكر الحكيم» ولو لساعات، قبل ان يصحو إلى الواقع القائم.
ولعلّ المقاربات الثلاث التي حدّدها جعجع امس لعقد التشاور ولجلسات انتخاب الرئيس، قد بدت كأنّها «تفسير الماء بعد الجهدِ بالماءِ»، لأنّها تصبّ في وعاء واحد هو قبول التشاور برئاسة الرئيس نبيه بري او بحضور ملائكته في نهاية المطاف، سواءً كما قال: «أن تدعو «كتلة الاعتدال الوطني» زميلاتها الكتل الأخرى إلى التداعي وإرسال ممثلين عنها للاجتماع، او ان يطلب الموفد الفرنسي لودريان من رئيس المجلس الاجتماع بممثلين عن الكتل النيابية، فتتولّى الأمانة العامة في المجلس دعوة الكتل كافة للاجتماع بلودريان الذي يقوم بطرح ملخّص عن نتائج جولاته المكثفة على المسؤولين والأحزاب والكتل النيابية كافة، وبعدها ينسحب لودريان ويكمل ممثلو الكتل مشاوراتهم ليوم كامل إذا اقتضى الأمر، او ان يدعو الرئيس بري إلى جلسة انتخابية كما ينص الدستور، وبعد ان تُجرى الدورة الأولى، وفي حال لم تسفر عن انتخاب رئيس يعلِّق الرئيس بري جلسة الانتخاب لمدة ساعة او ساعتين ويطلب من الكتل التشاور بين بعضها قبل ان يعود ليدعو إلى دورة ثانية، وهلمّ جرّا حتى الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية».
اما وقد دخلت البلاد مدار عطلة عيد الاضحى التي ستمتد الى منتصف او نهاية الاسبوع المقبل، فالإنتظار هو سّيد الموقف، حتى تتبدّى لبنانياً إما مواقف جديدة مغايرة لما سبق، وإما مبادرات جديدة بأفكار جديدة، وهو امر ليس بمتاح طالما مواقف «القوات اللبنانية» وبعض حلفائها على حالها، بعد حديث جعجع عن المقاربات الثلاث، وبعد تمسّك الطرف الآخر بمواقفه.
غاصب المختار – الجمهورية