شكلت محطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت “نافذة أمل” يمكن البناء عليها حيال إمكان التوصّل الى وقف إطلاق النار في جبهة الجنوب شرط تلازم هذا الأمر في غزة وإن حمل كلامه نداءً تحذيرياً أخيراً. ويبني الجانب اللبناني موقفه هنا على حصيلة ما حمله المستشار في البيت الأبيض من إسرائيل وخصوصاً من رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو.
وهذا ما كان يعوّل عليه الرئيس نبيه بري الذي وصلته إشارات إيجابية قبل بدء الرجل جولته اللبنانية فبدا مرتاحا.. ولكن. وعكس هوكشتاين أمام بري أن “حماس” لم تدلِ بكلمتها النهائية حيال الاقتراح الأميركي وظهر كأنه يحمّلها المسؤولية مع تغاضيه عن إسرائيل. وفي المعلومات، أنه طلب من قطر ومصر ممارسة الضغط عليها لتقديم تنازلات أكثر.
ويحرص رئيس المجلس على إبقاء مضمون ما دار بينهما مكتوماً ولو أن هوكشتاين لم ينقل تهديداً من إسرائيل بحسب ما ذكرت الصحافة العبرية. وسمع بالطبع الكلام المناسب من بري الذي يعبّر عن المصلحة اللبنانية “ولم نكن نتسلى”.
ولم يفاتح هوكشتاين بري بالكلام الذي تردّد أنه يطلب من “حزب الله” ممارسة ضغوط على “حماس” ليظهر في موقع المتعهّد لإخراج اقتراح التهدئة وليس يحيى السنوار.
الرئيس نجيب ميقاتي مستقبلاً هوكشتاين.
وإن لم يتمكن هوكشتاين الذي أصبحت مهمته حاجة إسرائيلية ولبنانية في آن واحد من وقف إطلاق النار وتبادل الضربات فإنه سيعمل على الأقل على “تبريد” جبهة الجنوب قدر الإمكان وعدم تدهور الوضع في الميدان الى مواجهة شاملة بين الطرفين على وقع التهديدات المتبادلة بينهما مع تشديد إسرائيل على إحداث منطقة عازلة على الحدود وإبعاد الوحدات العسكرية لـ”حزب الله” من هذه المساحة. وما يريده نتنياهو هنا هو تحقيق انتصار على الأقل من الناحية النفسية ليظهر أمام جمهوره وسكان المستوطنات في الشمال أنه نجح في هذه النقطة الحساسة التي يرفضها الحزب في الأصل، ولا سيما بعد تكيّفه مع الجبهة على مدار أكثر من ثمانية أشهر.
وفي خضم التهديدات الإسرائيلية يأمل الجانب اللبناني المواكب لحركة هوكشتاين أن يكون تمكن من تحقيق خروق في تل أبيب لدى المؤسستين السياسية والأمنية.
وتقول هذه المصادر إنها تلقت إشارات إيجابية من فريق هوكشتاين قبل حضوره الى لبنان وأنه يعمل على تحقيق خروق لدى المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب.
وسيعمل على متابعة المهمة التي يقوم بها وزير خارجية بلاده أنطوني بلينكن. وثمة من يعتقد ويعرف موقع الرجلين في الإدارة الأميركية، أن هوكشتاين يستطيع تحقيق مخارج بين إسرائيل ولبنان أكثر من بلينكن مع التوقف عند الموقع الذي يحتله في الدائرة الضيّقة عند الرئيس جو بايدن. وإن كان المعنيّون في لبنان ينتظرون هوكشتاين وفي مقدّمهم “حزب الله” فإن الأخير في المقابل لن يهلل لهذه الزيارة لأنه يعتبر واشنطن الشريك الأول والمساند لإسرائيل في عدوانها ضد الفلسطينيين في غزة ولو أنها تحاول تحييد لبنان عن مواجهة شاملة، لأنه في حال وقوعها فإن عواقبها سترتدّ على الجميع. ولا يزال الحزب على لازمته منذ اليوم الأول وهي تثبيت وقف إطلاق النار في غزة على أن ينسحب هذا المعطى الإيجابي على جبهة جنوب لبنان. ولذلك لا يعارض حضور هوكشتاين لأنه يدرك أن المفاوضات اللبنانية غير المباشرة مع إسرائيل لن تحصل من دون المرور بالقناة الأميركية. ومن غير المفاجئ هنا القول إن “تناغماً” ما يدور بين واشنطن والحزب قد يؤدّي الى تبريد الأجواء في الجنوب شرط أن يقلع نتنياهو عن تلويحه بمفتاح الحرب الشاملة وهو في حوزته إذا قرّر اتخاذ مثل هذه الخطوة التي لن ينحصر شعاعها في حدود لبنان وإسرائيل.
يبقى الحزب المعنيّ الأول بما حمله هوكشتاين في جعبته. ولا تشاء قيادته الرد على أي استفسارات حيال ما سيحصل في اليوم التالي. ويعمل على تقديم أجوبة حاسمة للأميركي والإسرائيلي قبل وقف إطلاق النار في الجنوب والتأكد من سريان هذا الأمر في غزة. وثمة نقطتان يركز الحزب عليهما حيث لا يرى رغم كل التهديدات الإسرائيلية التي نقلها هوكشتاين أن إسرائيل في وضع جيد يمكّنها من شن حرب شاملة ضد الحزب ولبنان. وتبقى المسألة الثانية التي يضعها في خانة “المستحيل” هي القبول بمنطقة عازلة بناءً على طلب تل أبيب زائد دعوتها الى انسحاب الحزب الى ما بعد نهر الليطاني. ورغم كل اطمئنان الحزب إلى قدراته العسكرية لا يغيب احتمال إقدام نتنياهو على شنّ حرب مفتوحة وكبيرة ضد لبنان “وسنكون له بالمرصاد”. وفي موازاة ما يقوم به هوكشتاين على مستوى غزة وإسرائيل ولبنان، فإنه يعمل في المقابل على تسجيل أهداف أخرى تخصّ إدارته في البيت الأبيض يعمل على استثمارها في الحملة الرئاسية لبايدن. ولذلك يعمل على تحقيق الآتي:
– الإسراع في تحقيق التهدئة الأمنية في غزة والمساهمة في الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وما يهمه أولاً من يحمل منهم الجنسية الأميركية بغية استثمار الحزب الديموقراطي صورة الإفراج عنهم في حملته الانتخابية.
– التوصّل الى تهدئة طويلة في الجنوب بين إسرائيل و”حزب الله”.
– يبقى الهدف الآخر عند الديموقراطيين إذا نجحوا في تحقيق ما يخطّطون له في الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان التوصّل الى تحقيق مشروع التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وفي رأي جهات سياسية على تواصل مع أصحاب القرار لدى الديبلوماسية الأميركية، إن تحقيق الديموقراطيين هذه النقاط كلها يثبّت بايدن في البيت الأبيض.
رضوان عقيل – النهار