السبت, يونيو 29

في وداع الشَّهيدتين سالي سكيكي ودلال عزّالدِّين

تشلشلَ ماء النَّهر وتَكَربل، وتغلغلَ الحزنُ من الأعتاب والأبواب إلى الأهداب والألباب. لكنَّ الدَّيْرَ تسربلَ مجدًا واعتزازًا بالشَّهادة قانونِه الأثير وناموسِه الأوَّل والأخير من حبيب علي سكيكي في آذار 1978 إلى دلال عزّالدِّين وسالي سكيكي في حزيران 2024.

ثَوَى الضِّياء، وتداعت المدامع والمواجع إلى جنازتين اثنتين ومأتمٍ واحد، إلى دماءٍ في عين السَّماء نستعدي بها إسرا ئيل أكثر، ونستهدي بها إلى سَوَاءِ السَّبيل أكثر. فيا سِجامَ الثُّكلِ ويا زِمامَ اليُتم: صَبِّرِ الدُّموعَ في مخابئِ المحاجر، واحبسِ الآهات في الحناجر احتسابًا لله وانتسابًا إلى آل بيتِ رسولِ الله. هَلُمُّوا إلى نعش سالي ونعش دلال بكفوفٍ ناصعة وقلوبٍ نقيَّة. تعالوا إلى سالي الصَّبِيَّة فجرًا من ياسمين، وبضعةً من قلبَي خاليها الشَّهيدين شادي وفادي عبَّاس. أسعفوا قلوب المتعبين على إيقاع ضحكتها الأخيرة. اِتَّكِئي يا دلالُ على مِشيةِ سالي واذهبا إلى دهشة السُّؤال: مَنْ يسبقُ مَنْ؟ مَنْ يلحَقُ مَنْ؟ فلندركِ الصُّبحَ سَوِيًّا، ولنتركِ الجرحَ بَهِيًّا يتماهى وسنبلات القمح في أرضنا الطَّيِّبة، ويتناهى إلى أعالي الزَّيتون ليشبه الدَّيرَ والنَّهرَ في تجلِّيات البراءة واليقين.

كانت سالي ذات حُلُمٍ هنا ملاكًا من وداعة النَّسمة ويفاعة الدَّيْمَة. وكانت دلالُ ذاتَ ألمٍ هنا من نشيج النَّبع الباكي يُتمًا مُبكِرًا وتَرَمُّلًا مُباغتًا. مَنْ يُصَدِّقُ أن تأخذهما الظُّنون إلى احتمالات المنون قبل تَفَتُّحِ الإصباح والأفراح؟ لكنَّها سريرة الأنقياءِ إذ تُجافي جريرةَ الأشقياء، فتُوَاعِدُ الشُّهداءَ السُّعداءَ في السَّماء. السَّلام على سالي ودلال تأتدمان الطُّمأنينة، وتلملمان نثار روحيهما، وتَتَكَوَّران شمسين في عهدة الوجدان والعرفان لا في عهدة النِّسيان والخذلان. السَّلام على رَيْعان الرَّيْحان دانيتين بخَفَر، نائيتين بأطيبِ الأثر عطرًا يندلقُ فوَّاحًا زاكيًا بخلطة العذوبة والعذاب، وباقتران الآلام المُعَجَّلة بالأحلام المُؤَجَّلة.

لقد استَحلَتْكُما السَّماء أُختًا مُسعِفة وأُمًّا مُرهَفَة، وعمرين مقصوفين بما فيهما من رَمَقٍ وأَلَقٍ وحَبَق. على النَّعشين دمعةٌ من رمش موسى الصَّدر. نتمثَّلُ الشَّهيدتين، ونمتثلُ لترجيع صدى الحياة في سيرتيهما إرادةً وعقيدةً وجهادا. تتهجَّأُ سالي نشيديها حَيَّ على خير العمل ونحن كشَّاف الرِّسالة حبرُنا نور العدالة، وتتضَوَّأُ دلال دمها موجًا للحقيقة ووهجًا للحقّ، وتتبَوَّأُ بمعِيَّة سالي مقعدَي صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

فلتتكفَّل السَّماء الشَّهيدتين في جنَّة المأوى تتقلَّدان فيها وسام الأبرار وتتوسَّدان حريرها الوثير. وليَضِنَّ الدَّيرُ بهذا اللؤلؤ المكنون، وليهنأِ التُّراب بدمعةٍ وابتسامة، وليرتوِ بجُرعةٍ من شهامة. إنَّ رقدة الشَّهادة قيامة. فمن غفوة المآقي والمُقَل، من النَّجيع القاني شَعَّ بصيصُ عيون موسى الصَّدر، وأشرقت وتشرقُ دائمًا شمسُ أمل.

يونس زلزلي

١٨ حزيران ٢٠٢٤

Leave A Reply