هل فعلاً ستكون زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة لبيروت وقبلها لتل أبيب، طيّاً لصفحة مرحلة قد تولت وفتحاً لمرحلة جديدة أكثر ضراوة عنوانها تصعيد بلا سقوف على الحدود الجنوبية اللبنانية – الإسرائيلية خصوصاً إن لم تفعل رسالة الإنذار الأخير التي حملها معه الى المسؤولين في بيروت فعلها؟
ثلاث وقائع ومعطيات أكسبت الزيارة الأخيرة للموفد الأميركي للمهمات الصعبة لبيروت تختلف عن كل ما سبقها من جولات:
الأولى أنها أتت على نحو طارئ بعدما بلغت المواجهات على الحدود الجنوبية مبلغاً غير مسبوق، بفعل رسائل “حزب الله” اليومية المكثفة، تفصح عن استعداده التام للتفلت من قواعد الاشتباك المعهودة منذ أشهر.
الثاني: المعروف أن “حزب الله” ما لجأ الى الاستعانة أخيراً بما في جعبته وترسانته خصوصاً في مجال الجوّ، إلا بعدما اقتحمت القوات الإسرائيلية في 20 أيار الماضي معبر رفح، وهو ما عُدّ مقدمة لفعل عسكري مفتوح ينتهي بالقضاء على حركة “حماس” وتوجيه ضربة ماحقة لها وهو أمر أدرجه “محور المقاومة” منذ الأساس في خانة الخطوط الحمراء مهما كلف الأمر.
الثالث أن زيارة هوكشتاين أتت بعدما تعمّقت الأزمة السياسية في الداخل الإسرائيلي على وقع التطورات العسكرية الدراماتيكية المتسارعة، وهو ما أنتج تبايناً خرج دفعة واحدة الى دائرة الضوء بين حكومة نتنياهو والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتجلى في ما صار يُعرف بـ”الهدنة التكتيكية” التي أعلنتها القوة التي تقاتل في غزة صبيحة أول أيام عيد الأضحى من دون علم الحكومة والقيادة السياسية في تل أبيب.
والمعلوم أن هذا التطور الخلافي أتى مباشرة بعد الأزمة التي عصفت بحكومة نتنياهو باستقالة وزيرين منها.
في خضم كل هذه المستجدات والتطورات، وصل هوكشتاين على عجل الى بيروت، وهو الذي استنكف عن زيارتها منذ نحو ثلاثة أشهر بعدما أبلغ من يلتقيهم فيها من المسؤولين أنه ليس في وارد العودة إلا إذا استشعر أن ثمة أرضية صالحة وظروفاً مؤاتية لوضع اتفاق تهدئة على الحدود المشتعلة. وبناءً على ذلك فإن الخبير الاستراتيجي العميد الياس فرحات يستنتج أن جولة هوكشتاين الأخيرة المفاجئة ما أتت إلا بناءً على أمرين: “الأول إنفاذاً لطلب إسرائيلي مباشر جوهره: مارسوا نفوذكم وتأثيركم حيث يجب للحيلولة دون تدهور واسع على جبهة الشمال، وبمعنى آخر لكبح جماح “حزب الله” عن أي فعل متهوّر. والثاني أن الأميركي سارع الى ذلك على رغم اقتناعه المسبق بلا جدوى حراك الموفد هوكشتاين وجولته الجديدة، لأنه على يقين تام بأن “حزب الله” ومحوره لا يملكان أدنى استعداد لترك حركة حماس مستفردة وحيدة من جانب الإسرائيلي في معقلها الأساس”.
لذا، يستطرد فرحات، “إن في طوايا الرسالة التي حملها هوكشتاين حسب ما سرى من معلومات الذين التقاهم في بيروت أي الرئيسين نبيه برّي وميقاتي، مضموناً واحداً يمكن اختزاله بـ”ساعدونا على تهدئة نتنياهو من موجة الغضب التي تتلبّسه لنمنعه من ركوب رأسه والانزلاق الى موجة جنون وتهوّر قد تأخذ المنطقة كلها الى حرب إقليمية”. وهذا الأمر يفصح عن قناعة أميركية باستحالة أن يقبل الحزب في لحظة ما بوقف المواجهات التي يخوض غمارها على جبهة الجنوب ما دام الإسرائيلي يشنّ حرب الإبادة على غزة بشراً وحجراً على مدار الساعة ويرفض كل مشاريع الحل التي تقدّم من هذه الجهة أو تلك”.
واعتبر فرحات “أن فيديو المسح الجوي الذي نفّذته مسيّرات الحزب ومن ثم عمل الجهاز الإعلامي في الحزب على بثه وتعميمه ينطوي على بعدين مهمين هما: توقيت البث المترافق مع زيارة هوكشتاين لبيروت، فبدت كأنها ردّ استباقي مباشر على ما يحمله من رسائل وإنذارات. وأنه تجسيد لخطاب التصعيد العملاني الذي يمارسه الحزب. وفحوى الرسالة من وراء بث هذا الشريط هي بنك الأهداف الذي بحوزتنا وبمقدورنا الوصول إليه عند الحاجة فتبصّروا وتمهلوا”.
ابراهيم بيرم -النهار