خلافاً لكل ما شاع ويُشاع وسيظلُّ يُشاع، لم يحمل الموفد الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين اي رسائل تهديد اسرائيلية الى لبنان، وانما جاء مسوقاً مبادرة الرئيس جو بايدن للحل في غزة، فيما أبلغ المسؤولون اللبنانيون اليه تمسّكهم بتطبيق القرار الدولي 1701 بكل مندرجاته، والمطلوب من اسرائيل ان تلتزمه، وهي ما التزمته يوماً منذ صدوره عام 2006.
هذا ما اكّده أحد الذين شاركوا في بعض اللقاءات التي عقدها هوكشتاين في لبنان، قبل ان ينتقل منها إلى اسرائيل من دون ان تعرف وجهته التالية، ويعود إلى لبنان ام يغادر الى واشنطن عن طريق بعض العواصم المهتمة بالأوضاع في لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة، وقد شملت تلك اللقاءات رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون وربما آخرين، أُبقيت اللقاءات معهم طي الكتمان، لأنّ بينهم من يُعتَبَرون او يَعتَبِرونَ أنفسهم اصدقاءً له.
ويقول هؤلاء، انّ مجيء هوكشتاين من واشنطن الى إسرائيل مباشرة وليس من واشنطن الى لبنان ومن ثم الى اسرائيل، انما يدلّ في وضوح الى انّ الادارة الاميركية واثقة من انّ تل ابيب هي من تصعّد ضدّ لبنان، ولديها نيات مبيتة ضدّه، في الوقت الذي يخوض البيت الابيض و«البنتاغون» حملة لمنعها من شنّ حرب واسعة النطاق على لبنان. ولذلك اوفد الرئيس جو بايدن هوكشتاين الى المنطقة لإبلاغ اسرائيل انّه لا يؤيّد توسع الحرب ضدّ لبنان.
وكان اللافت في هذا الاطار، اعلان «البنتاغون» اثناء وجود هوكشتاين في بيروت، أنّ «الولايات المتحدة لا تريد حرباً إقليمية أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط»، قائلاً: «لن أخوض في افتراضات وأتكهن بما قد يحدث بخلاف القول بأنّه لا أحد يريد رؤية حرب إقليمية أوسع نطاقاً». وقد جاء هذا الاعلان في الوقت الذي اعلن الجيش الإسرائيلي انّه اقرّ «خططاً عملياتية» لهجوم في لبنان.
ويكشف بعض المشاركين في لقاءات هوكشتاين انّه لم يحمل اي رسائل تهديد اسرائيلية للبنان، وانّ البحث على الاقل بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلق من تفاهم سابق حصل بينهما حول سبل تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 في الجنوب بكل مندرجاته.
ويؤكّد هؤلاء انّ التصريح ـ البيان الذي ادلى به الموفد الاميركي إثر لقائه مع رئيس مجلس النواب ينبغي قراءته بتمعن لما انطوى عليه من اشارات حيال مهمّته وأبعادها والخلفيات، فهو اكّد انّ مشروع الاتفاق الذي اقترحه بايدن للحل في غزة «يعطي فرصة لإنهاء النزاع على جانبي الخط الازرق». مشيراً الى «انّ اسرائيل قبلت به ويحظى بموافقة مصر وقطر ومجموعة السبع ومجلس الامن الدولي»، وانّه «ينهي الحرب على غزة ويضع برامج انسحاب للقوات الاسرائيلية، فإذا كان هذا ما تريده «حماس» عليها القبول به».
ولكن اللافت في كلام هوكشتاين هو قوله انّ «وقف إطلاق النار في غزة يُنهي الحرب، وأي حل سياسي آخر ينهي النزاع على جانبي الخط الأزرق سيخلق ظروفاً لعودة النازحين الى منازلهم في الجنوب، وكذلك الأمر للمدنيين على الجانب الآخر». ورأى انّ «النزاع على جانبي الخط الأزرق بين «حزب الله» وإسرائيل طال بما فيه الكفاية»، ومشدّداً على انّه «لمصلحة الجميع حلّ النزاع بسرعة وسياسياً، وهذا ممكن وضروري وفي متناول اليد».
وقال المشاركون في لقاءات هوكشتاين انّه اراد بهذا الكلام ان يؤكّد انّ واشنطن تسعى لتحقيق وقف لاطلاق النار في غزة، فإذا حصل هذا الامر وتمّ الاتفاق عليه ينعكس حتماً على الجبهة الجنوبية اللبنانية، اما اذا لم يحصل فيمكن عندئذ البحث في وسائل اخرى سياسية، بدليل انّه استخدم عبارة «حل سياسي آخر ينهي النزاع على جانبي الخط الازرق».
كذلك اكّد هؤلاء انّ هوكشتاين طلب إمكان ان يلعب الجانب اللبناني دوراً ما لدى حركة «حماس» لإقناعها بقبول مبادرة بايدن على اساس انّها تشكّل «الحل المناسب لغزة» وتالياً للوضع في جنوب لبنان، ولكن المسؤولين الذين التقاهم الموفد الاميركي سخروا من هذا الطلب الذي يبدو وكأنّه دعوة الى إقناع من يُقتل بالخضوع لشروط قاتله، إذ انّ مبادرة الرئيس الاميركي تعطي الفلسطينيين وقف اطلاق نار لستة اسابيع يتمّ خلالها تجريدهم من ورقة الأسرى لتسـتأنف بعدها إسرائيل حرب الإبادة ضدّهم لأنّها لن تنسحب من قطاع غزة كما يطالبون. وقال المسؤولون لهوكشتاين انّ واشنطن تبحث في هذا الامر مع القاهرة والدوحة اللتين تعملان في هذا المضمار مع مسؤولي حركة «حماس» المقيمين في الدوحة واحياناً في القاهرة. الّا انّ ذلك لم يمنع هوكشتاين من السعي لتسويق مبادرة رئيسه بايدن على اساس انّه في حال نجاحها تشكّل الحل لغزة، لينتقل البحث بعدها الى الوضع في جنوب لبنان عبر استئناف وساطته المتعلقة بتطبيق القرار الدولي 1701.
وفيما لم يبلغ هوكشتاين الى من التقاهم موعد عودته مجدداً الى لبنان، فإنّه انتقل تواً من بيروت الى تل ابيب ليلتقي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ويؤكّد له، حسب الاعلام الاسرائيلي، انّ «حزب الله» لن يوقف اطلاق النار على الجبهة الشمالية إذا لم توقف اسرائيل النار في غزة.
ويبدو انّ مهمّة هوكشتاين ستتواصل بصيغ مختلفة، خصوصاً بعد تصعيد نتنياهو حملته ضدّ بايدن على ابواب دخول الاخير في مدار المرحلة الحاسمة من حملته الانتخابية ضدّ منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب. ففي الوقت الذي وصل الموفد الاميركي الى تل ابيب عائداً اليها من لبنان، كانت مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف تقول امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي في واشنطن «انّ مبعوث الرئيس الاميركي جو بايدن يواصل العمل على تهدئة الامور بين حزب الله واسرائيل»، مضيفة «انّ وقف اطلاق النار في غزة سيمثل اختراقاً من اجل الوصول الى حل على الحدود بين لبنان واسرائيل». واكّدت «انّ الاوضاع على الحدود بين لبنان واسرائيل متقلّبة جداً بنحو مثير للقلق، ونحن قلقون من تصاعد الاعمال العدائية على طول الخط الازرق في لبنان، وانّ الديبلوماسية هي الطريق الوحيد للحل».
على انّ التهديد والوعيد الاسرائيلي العالي النبرة باجتياح لبنان وتدميره والقضاء على «حزب الله» الذي سبق وصول هوكشتاين الى لبنان وتزامن معه وتلاه، وقد رفع من وتيرته ما عادت به مسيّرة «هدهد» الاستطلاعية التابعة لحزب الله مما يمكن ان يكون «بنك أهداف» له في حيفا وضواحيها والمنطقة الشمالية من الاراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً في حال وسّعت اسرائيل دائرة الحرب، ما أحدث هزّة كبرى على كل المستويات السياسية والعسكرية والامنية وحتى الشعبية، جعل ما يُطلق من تهديدات ضدّ لبنان لا يعدو كونه تهديداً، في الوقت الذي نقل الموفد الاميركي مساء امس الاول الثلثاء إلى المسؤولين الاسرائيليين من أنّه «لا يفهم خطتهم العسكرية وأنّ «حزب الله» ملتزم بالتصعيد طالما أنّ ساحة غزة نشطة»، حسب بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية. علماً انّ هوكشتاين شدّد خلال لقاءاته في بيروت على وجوب انتظار البت بمشروع «الحل الاميركي» الذي يعمل عليه في الدوحة، متوقعاً نفاذه وانعكاسه وقفاً لاطلاق النار في الجنوب بما يمهّد للبحث في تنفيذ القرار الدولي 1701.
طارق ترشيشي – الجمهورية