الإثنين, سبتمبر 16

في ميزان السيّد: التعاون العسكري مع إسرائيل يهدّد لبنان

وقفت قبرص البوابة الأوروبية نحو شرقي البحر الابيض المتوسط، حائرة ومربكة بعد كلام السيد حسن نصر الله، الذي حمل نوعاً من التحذير لقبرص في حال اتخذت اسرائيل من المطارات والقواعد العسكرية القبرصية وغير القبرصية مُنطلقاً لشنّ اعتداءات على لبنان إذا قرّرت توسيع الحرب. واصطف معها مؤيّداً عددٌ من القوى السياسية اللبنانية قبل التمعّن في خلفيات كلام السيد وفي تاريخ التعاون العسكري القبرصي -الإسرائيلي.

أول تعليق قبرصي على كلام نصر الله صدر من تل ابيب على لسان السفير القبرصي لدى إسرائيل كورنيليوس كورنيليو، الذي قال بكلام تهديدي وتحذيري: «بالطبع سنردّ على تهديدات نصرالله، ونحن نعمل بتنسيق وثيق مع إسرائيل». وأضاف في حديث لموقع «واينت» عمّا إذا كان متفاجئاً من تهديدات نصرالله: نعم ولا، العلاقات بين إسرائيل وقبرص لم تكن أبداً بهذه القوة، وهذا كل شيء على السطح.

لكن الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس عمل على تلطيف كلام سفيره بالقول: إنّ «قبرص غير متورطة في أي صراعات عسكرية، وتضع نفسها كجزء من الحل وليس المشكلة. وأنّ ممرنا الإنساني نحو غزة هو شهادة على التزامنا بالسلام والاستقرار، قبرص ليست جزءاً من المشكلة، بل هي جزء من الحل».

واكّد خريستودوليدس: «أنّ قبرص لديها قنوات ديبلوماسية مفتوحة مع كل من حكومة لبنان وحكومة إيران. والحكومة ستعالج القضية عبر القنوات الديبلوماسية».

ولاحقاً صدر تصريح آخر عن المتحدث باسم الحكومة القبرصية وفيه: «بأنّه لن يتمّ منح أي دولة الإذن بإجراء عمليات عسكرية عبر قبرص. وأنّ علاقات جمهورية قبرص مع لبنان ممتازة». واكّد بأنّ «قبرص ليست منخرطة ولن تشارك في أي صراعات حربية».

وبعد هذا الكلام القبرصي الرسمي التوضيحي على اعلى مستويات المقبول ديبلوماسياً، ولكن ينتظر الترجمة العملية، يجري الحديث عن إمكانية إيفاد مسؤول قبرصي رفيع المستوى إلى بيروت قريباً لعقد اجتماعات مع المسؤولين الرسميين اللبنانيين، لوضع الامورفي نصابها، واستكمال البحث في ما بدأه الرئيس القبرصي خلال زيارته لبيروت حول موضوع الهجرة غير الشرعية للاجئين من لبنان.

لكن يبقى الأهم ما بعد كلام السيد نصر الله وأسباب تحذيره، المستندة الى المعلومات المنشورة رسمياً وإعلامياً، وكشفتها مؤخّراً إذاعة جيش الاحتلال خلال الحرب على غزة، عن مناورات لسلاح الجو الإسرائيلي في نيسان الفائت في الأجواء القبرصية مع سلاح الجو القبرصي تُحاكي هجوماً إسرائيلياً على إيران.

وقبل ذلك، نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي في أيار 2023، اي قبل أشهر من حرب غزة، مناورات عسكرية مشتركة لسلاحي الجو والبر على الأراضي القبرصية، تحت اسم «شمس زرقاء»، تُحاكي حرباً مع لبنان. وأوضحت إذاعة الجيش وقتها «أنّ اختيار قبرص مكاناً لإجراء هذه المناورات سببه طبيعتها الجغرافية المشابهة لجنوب لبنان»، مشيرةً إلى أنّها «مناورات تشمل تدريبات على خوض قتال في مناطق وعرة ومعقّدة وغير معروفة للمقاتلين، وعلى نقل الجنود جواً وإنزالهم إلى أرض المعركة».

لذلك، من الطبيعي ان يدفع هذا التعاون العسكري العلني بين اسرائيل وقبرص والمتعلق بسلامة وأمن وسيادة لبنان، الى مخاوف لدى المقاومة من هجمات من قبرص جوية او بحرية ضدّها وضدّ كل مرافق لبنان الحيوية وبناه التحتية، في حال إندلعت حرب تحت اي شكل وحجم بين المقاومة واسرائيل. فمن أبدى مخاوف من «طعن المقاومة في ظهرها من لبنان»، طبيعي ان يُبدي مخاوف من طعنها في ظهرها من الاوروبي المتحالف مع اسرائيل.

وما يزيد مخاوف المقاومة، وجود قاعدتي تجسس وتنصت وسلاح جو بريطانيتين كبيرتين في قبرص (أكروتيري ودكليا) واستُخدمت قاعدة «اكروتيري» لتنفيذ عدد من العمليات العسكرية البريطانية والأميركية في الشرق الأوسط، آخرها الغارات الجوية التي استهدفت اليمن مؤخّراً، بسبب دعم الحوثيين للفلسطينيين في معركة «طوفان الأقصى» بقطاع غزة. ومن ضمن مهامها التجسس على دول الجوار وبخاصة لبنان وسوريا ودول اخرى منها تركيا، مع انّ السيد نصر الله لم يُشر في خطابه إلى هذه القاعدة، لكنه اعتبر في خطابه انّ بريطانيا هي شريكة مع اميركا في العدوان على اليمن وفي العدوان الاسرائيلي على غزة. فما الذي يمنع ايضاً من استخدامها ضدّ لبنان؟

هذا التعاون العسكري القبرصي – الاسرائيلي العلني والموجّه بصورة رسمية مكشوفة ضدّ لبنان، يُظهر أمرين اثنين: الاول تأكيد انحياز كل دول الاتحاد الاوروبي الى جانب الكيان الاسرائيلي في كل امر كبير او صغير. والامر الثاني انّ اوروبا وضمنها قبرص لا تراعي مصالح لبنان الوطنية الكبرى ولا سلامة اراضيه واستقراره، إذا تعلّق الامر بإسرائيل.

وقد سبق ان طلب رئيس قبرص من لبنان مساعدته بوقف موجات الهجرة غير الشرعية الى قبرص، لأنّها تؤثر على وضع الجزيرة وتحمّلها اعباء كبيرة فوق طاقتها. وتفهّم لبنان الطلب القبرصي ومن خلفه المطلب الاوروبي بعدم إغراق اوروبا بالمهاجرين، وقام بإجراءات ولو ضدّ مصلحته بمكافحة الهجرة غير الشرعية. كما وعد الرئيس القبرصي بدعم وإسناد لبنان لدى أوروبا خلال مؤتمر الاتحاد الاوروبي في بروكسل، لكنه لم يقم بما يجب ويكفي من ضغوط وإجراءات كما وعد لتغيير الموقف الاوروبي من رفض عودة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا، وهو امر يضرّ بمصالح لبنان الكبرى، كما يضرّها التحالف العسكري الاوروبي – الاسرائيلي.

غاصب المختار- الجمهورية

Follow Us: 

 

 

Leave A Reply