حسن الدر ـ
تخطّى انقسام اللّبنانيين حدّ الخصومة السّياسيّة بمراحل وصولاً إلى حدّ التًماهي مع روايات العدو الزّائفة وترويجها. ظهر ذلك جليًّا منذ فتح حزب الله جبهة الجنوب إسناداً لغزة وأهلها، وبينما كان الحزب يدير معركته بحكمة وحنكة، باعتراف العدوّ قبل الصّديق، ويوظّف التّصعيد الميداني التّدريجي والمدروس من أجل تثبيت قواعد جديدة لتوازن الرّعب والرّدع، كان «أعداء» المقاومة في الدّاخل يتقدّمون بتهوّر وجنون إلى الوراء في محاولة أخيرة لإحياء مشاريع قديمة عفا عليها الزّمان وهجرها المكان.
ومن اليوم الأوّل للحرب اتّخذ الثّنائي الوطني، حركة أمل وحزب الله، قراراً بعدم الخوض في سجالات داخليّة لا يستفيد منها سوى العدو الإسرائيلي، عملاً بقول الإمام موسى الصّدر: «الوحدة الوطنيّة أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل».
ولكن «على من تقرأ مزاميرك يا داوود» فكلّما مدّ الثّنائي الوطني يداً لحوار وتفاهم وتشاور مدّ «أعداؤه» ألسنةً حادّة تنادي بالطّلاق والتّقسيم والفتنة.
وبرغم كلّ ذلك، تتغاضى قيادة المقاومة عن كثير من الطّعنات كي لا تدير ظهرها للعدو على الحدود، فهؤلاء مهما علا صراخهم يبقون تحت سقف الكلام خالي الدّسم وإن كان متخماً بالسّمّ.
أمّا وقد وصلت الأمور حدّ استدعاء «إسرائيل» لشنّ الحرب على لبنان انطلاقاً من مطار الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري عبر تبنّي رواية صحيفة «تلغراف» السّخيفة والتّرويج لها باعتبارها حقيقة ثابتة، فلا بدّ هنا من وضع النّقاط على الحروف انطلاقاً من الحرص على السّلم الأهلي والشّراكة الوطنيّة وحفاظاً على ما تبقّى من الوطن.
تسأل «اللواء» قيادياً رفيعاً في الثّنائي الوطني عن تعليقه على كذبة «صواريخ المطار» فيقول:
«لم نتفاجأ بأداء خصومنا اتّجاهنا، بل تفاجأنا بضيق أفقهم وسوء تقديرهم، فهُم عند كلّ محطّة فاصلة من الأحداث تسقط شعاراتهم الزّائفة حول التّمسّك بالدّولة ومؤسّساتها وفي المقابل يظهر صدق إيماننا بوحدة لبنان وعيشه الواحد بناءً على دستور الطّائف وبناء على معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» المكرّسة في البيانات الوزاريّة والّتي أثبتت جدواها في حماية لبنان من اعتداءات «إسرائيل» وأطماعها، وفي كلّ مرّة كنّا نمارس أعلى درجات الحكمة والوطنيّة بعدم الانجرار خلف مثيري الفتنة الدّاخليّة.
ولكن، أن يصل بهم العمى السّياسي إلى تبنّي رواية مدسوسة تعرّض لبنان ومنفذه الوحيد على العالم للحرب والقصف فهذه سقطة تدلّ على عقليّة رجعيّة ونفوس أعماها الحقد عن التّمييز بين الحقّ في الاختلاف السّياسي الدّاخلي وبين حرمة وجريمة إعطاء العدو ذريعة الاعتداء على مطارنا الوحيد، بل هذه خيانة عظمى كاملة الأوصاف».
ويضيف: «منذ العام 2005 ونحن نتعرّض لشتّى أنواع الاتّهامات الزّائفة والباطلة الّتي تهدف إلى شيطنة المقاومة، بدأت باتّهام «حزب الله» زوراً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ثمّ بالتآمر، غير المباشر، مع العدو إبّان حرب تمّوز 2006، ثمّ أتت قرارات الحكومة المبتورة في 5 أيّار 2008، ومن بعدها اتّهمنا بخوض حرب طّائفيّة يوم كنّا ندافع عن بلدنا وعمقنا الاستراتيجي في سورية، حتّى جاء حراك 17 تشرين 2019 وحمّلونا مسؤوليّة الانهيار الاقتصادي، وها هم اليوم يتّهموننا بجرّ لبنان إلى الحرب برغم علمهم بأنّنا ندفع أثماناً مضاعفة كي لا يتحوّل لبنان إلى غزّة ثانية، فماذا يريدون منّا؟!».
تتغيّر نبرة القيادي ويتابع بحزم:
«هذا البلد لنا جميعاً ولا عودة إلى مشاريع التّقسيم والفدرلة، والّذي يعيش في وهم «حالات حتماً» سيصاب بخيبة أخرى، لأنّ الّذين يراهن عليهم يستخدمونه وقوداً لنار سيخمدونها هُم لحظة نضوج التّسوية، والتّسويات، كما الحروب، يصنعها الأقوياء استناداً إلى موازين القوى، ولا مكان فيها لمن لا وزن لهم في المعادلات الكبرى»..
هل هذا تهديد، نسأله، فيجيب:
«أبداً، هذه دعوة صادقة لكي لا يقعوا في الفخّ مجدّداً، نحن أبناء وطن واحد والتّفاهم معنا أقرب وأجدى وأهون عليهم من الرّهان على هزيمتنا، نحن الآن قوّة إقليميّة تخشاها «إسرائيل» وتتجنّب أميركا الصّدام معها. أمّا في الدّاخل فليس لنا مشروع خاص ولا أجندة خارجيّة، نحن راضون بالصّيغة اللّبنانيّة ومقتنعون بالمناصفة وحريصون على الطّائف وضنيون بالسّلم الأهلي ومنفتحون على أيّ حوار يبدّد هواجس جميع المكوّنات السّياسيّة والطّائفيّة، ونسعى بكلّ صدق لبناء دولة قويّة قادرة وفق معادلة القوّة الّتي راكمناها لأجل كلّ لبنان، هذه القوّة الّتي حمت حدودنا الشّماليّة والشّرقيّة من المدّ التّكفيري وتحميه من التوحّش الصّهيونيّ جنوباً، نرى فيها ضمانة للسّياحة والاقتصاد والنّفط، وتجربة اللّبنانيين معها أثبتت قدرتها على تأمين الحماية لمن يدّعون حبّ الحياة، ونحن أيضاً نحبّ الحياة».
– لماذا لا تبادرون لطرح مشروع متكامل على باقي الأفرقاء؟
«نحن دعونا للحوار، لكي نتفاهم سويًّا، ورؤيتنا واضحة قابلة للنّقاش ما دام النّقاش يصبّ في خدمة البلد وأهله».
ثم يستدرك القياديّ ويقول:
«ألم يكن الزّعيم وليد جنبلاط ألدّ خصومنا قبل عقد ونيّف من الزّمن؟ فليأخذوا «البيك» نموذجاً لمقاربة الملفّات الوطنيّة، فمنذ اندلعت الحرب على غزّة استشعر الخطر على لبنان وركن كلّ ملاحظاته وخلافاته السّياسيّة الدّاخليّة مع حزب الله جانباً واتّخذ موقفاً وطنيًّا وسياديًّا متقدّماً ومشرّفاً، حتّى عندما اختلف مع الحزب على الحرب في سورية، وهي مسألة استراتيجيّة، إلّا أنّه نظّم الخلاف وفصل بين ملفّات الدّاخل والخارج، فليقتدوا به إذا كانوا فعلاً يؤمنون بالوحدة الوطنيّة والشّركة والمحبّة»..
– كيف ستردّون على أزمة «صواريخ المطار»؟
«المسألة في عهدة الدّولة ومؤسّساتها والوزارات المعنيّة وليس لنا في المطار ولا في أي مرفق حيويّ مدنيّ شيء نخفيه، فلتقم الدّولة بكلّ ما يلزم لطمأنة الدّاخل وسحب الذّرائع من العدو بكلّ الطّرق الممكنة».
أمّا السّاسة والصّحافيّون الّذين تورّطوا بتمهيد الأرضيّة للعدو لقصف مطارنا فنقول لهم:
«إسرائيل» لا تحتاج إلى ذريعة، عام 1968 قصفت مطارنا من دون ذريعة، وعام 1978 اجتاحت لبنان من دون ذريعة وعام 1982 احتلّت العاصمة بيروت من دون ذريعة، «إسرائيل» اليوم، بفضل مقاومتنا، تنقصها القدرة والجرأة على خوض حرب مفتوحة معنا، فلا تراهنوا مجدّداً على السّراب لأنّكم ستصلون عطاشى ولن تجدوا الماء»!