يتابع اللبنانيون بقلق متزايد التصعيد الكبير بين حزب الله وإسرائيل، وسط مخاوف من أن تتدحرج كرة النار الملتهبة على الحدود الجنوبية إلى مناطق واسعة من بلدهم، ومن عدم قدرة الحكومة اللبنانية على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود التي يحتاجونها لمواجهة الحرب المحتملة.
ومع ازدياد سخونة الجبهة الجنوبية واتساع رقعتها الجغرافية وقوتها التدميرية، يستعد لبنان حكومة وشعبا للتعامل مع أسوأ السيناريوهات المحتملة، في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية التي تعصف بالبلاد، في وقت دعت عدة دول رعاياها لمغادرة لبنان وعدم السفر إليه.
وقبل يومين، حذر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، من أن اتساع رقعة الحرب الإسرائيلية في لبنان قد يكون مروعا، معتبرا أن “الوضع مقلق جدا.. شرارة قد تشعل النار في البارود، مما يزيد من احتمال وقوع مآسي جديدة وسقوط قتلى”.
أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فأشار الأسبوع الماضي إلى أن هناك “ما يوحي بأن حربا شاملة قد تصبح وشيكة”، مؤكدا أن “شعوب المنطقة والعالم لا يمكنها تحمل أن يصبح لبنان غزة أخرى”.
ووصلت شرارة النار إلى الجنوب اللبناني في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، بعد إعلان “حزب الله” تأييده للهجوم، وتشكيله “جبهة مساندة”.
حالة طوارئ غذائية
سلسلة من الخطوات الاستباقية اتخذتها الحكومة اللبنانية، استعدادا لمواجهة أي طارئ ولضمان توفير احتياجات المواطنين الأساسية في أصعب الظروف.
على صعيد الأمن الغذائي، يشرح مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة، محمد أبو حيدر، أن احتياطي المواد الغذائية في لبنان لا يتعدى ثلاثة أشهر، بينما تكفي حاجات المواطنين من الطحين لمدة شهرين، لافتا إلى أن “الوزارة أعدت خطة بالتعاون مع بعض المستوردين لتوزيع السلع في مختلف المناطق اللبنانية، لتفادي حصرها في رقعة واحدة وضمان وصولها إلى كافة المناطق عند الحاجة”.
وتشدد وزارة الاقتصاد، بحسب ما يقوله أبو حيدر لموقع “الحرة”، “على ضرورة التزام المستوردين بتزويدها بالمعطيات المتعلقة بأرقام البضائع والشحنات الواردة، إضافة إلى الأسعار، لضمان الشفافية والقدرة على التصرف السريع في حال الأزمات”.
ويؤكد أن “الوزارة مستمرة في جهود الرقابة لمنع احتكار البضائع ورفع الأسعار من قبل بعض التجار”، مشيرا إلى “الاستمرار بمداهمة المستودعات وتسطير محاضر ضبط وتوقيف من يحاولون مضاعفة أرباحهم على حساب معاناة المواطنين”.
من جانبه يشدد نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، أن قطاع المواد الغذائية يعيش حالة طوارئ منذ شهر أكتوبر، عقب اندلاع الحرب في غزة، وتمددها إلى جنوب لبنان.
ولضمان استمرار توفر المواد الغذائية، “تتخذ النقابة جميع التدابير الضرورية”، وفقا لما يقوله بحصلي لموقع “الحرة”، ويشرح: “حتى الآن، الوضع التمويني مستقر، حيث تصل طلبات المستوردين إلى لبنان بشكل طبيعي، وبينما يفضّل بعض التجار زيادة الاستيراد كإجراء احترازي، يتجنب آخرون تعريض بضائعهم للمخاطرة في حال اندلاع حرب واسعة”.
ويشير بحصلي إلى أن “الامدادات الغذائية لن تتأثر مادام مرفأ بيروت والمطار يعملان بشكل طبيعي والتعاون الاقتصادي مع الدول الموردة مستمر”.
وعن أسعار المواد الغذائية يجيب “هي الأقل تأثّرا في الارتفاع الذي سجله مؤشر أسعار الاستهلاك عن مارس الماضي على أساس سنوي والبالغ 70,36 في المئة مقارنة مع مارس 2023، لكن التهافت على شرائها سيؤدي حتما إلى ارتفاع أسعارها، لا بل ربما إلى انقطاعها من الأسواق”.
وفي حال نشوب حرب فإن جميع المعطيات الحالية “ستصبح بلا قيمة” يقول بحصلي، “فشركات الشحن قد تتوقف عن إيصال البضائع إلى لبنان”، وتساءل “ما الجدوى من وجود أطنان من البضائع في المستودعات والأسواق إذا تعذّر الوصول إليها، نتيجة انقطاع المواصلات وعدم القدرة على التجوّل، لذلك نشدد على أهمية دعم الجهود لمنع توسّع رقعة النزاع، فالاستقرار الأمني أمر لا غنى عنه لضمان استمرارية إمدادات الغذاء للمواطنين”.
الطاقة.. والخوف الأكبر
فيما يتعلق بالطاقة، يوضح أبو حيدر أن “المشتقات النفطية متوفرة لمدة شهر أو شهرين كحد أقصى نظرا لصعوبة تخزينها”، مشيرا إلى أن الوزارة اتخذت خطوات لتخصيص كميات محددة من البنزين للمستشفيات والمصانع والأفران، بينما يكفي الغاز المنزلي لمدة شهر ونصف”.
ورغم كل ما تقوم به وزارة الاقتصاد لضمان توفر السلع الأساسية والمواد الغدائية للمواطنين، إلا أن الخطر الأكبر يكمن كما يشدد أبو حيدر “في حال تعثر سلاسل الإمداد، مما قد يؤدي إلى أزمة حقيقية”.
أما ممثل موزعي المحروقات في لبنان، فادي أبو شقرا، فيشير إلى الالتزام بالخطة التي وضعتها الحكومة في أكتوبر الماضي، “رغم أنه عند اندلاع الحرب تصبح الخطط مجرد حبر على ورق”.
ويُعبر أبو شقرا في حديث مع موقع “الحرة” عن تمنّيه ألا تتوسع الحرب، مشددا أن “الشعب اللبناني لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات وارتفاع الأسعار”.
وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت في 31 أكتوبر، عن خطتها المستندة إلى عدة افتراضات مبينة على مقارنة معيارية لما حدث في حرب يوليو 2006، منها تهجير قسري لمليون لبناني لمدة تصل إلى 45 يوما، والحاجة إلى مراكز إيواء جماعية تستوعب 20 في المئة من النازحين، أي نحو 200 ألف شخص، والضغط على القطاع الصحي وتأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين في مراكز الإيواء، إضافة إلى حصار بحري وجوي.
وتهدف الخطة إلى تلبية احتياجات ثلاث فئات من اللبنانيين: النازحون في مراكز الإيواء، النازحون في شقق ومنازل خاصة، والمجتمع المضيف.
وتشمل الخطة تعاونا مع منظمات الأمم المتحدة لدعم ثلاث فئات أخرى: اللاجئون الفلسطينيون بالتنسيق مع الأونروا، اللاجئون السوريون بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين، والعمال الأجانب بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية.
وستنفذ الخطة تحت إشراف “اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية لدى رئاسة مجلس الوزراء”، و”لجنة التنسيق مع المنظمات الدولية”، و”وحدة إدارة مخاطر الكوارث”.
والخميس، رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، اجتماعا وزاريا، شارك فيه وزراء الداخلية والبلديات والصحة والبيئة والشؤون الاجتماعية ومحافظا الجنوب والنبطية والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع وغيرهم.
جرى خلال الاجتماع البحث في الخطوات التي تقوم بها الحكومة لدعم الأهالي في الجنوب وتقييم ما تم تنفيذه حتى الآن واقتراح خطوات اضافية لمواكبة أي طارئ في حال حصوله.
وفيما يتعلق باستعدادات الهيئة العليا للإغاثة التي أوكلت إليها المادة 8 من القرار 35/1 تاريخ 1976 مهمة إدارة شؤون الكوارث على مختلف أنواعها في لبنان، يقول رئيسها اللواء محمد خير لموقع “الحرة” أن الهيئة “وضعت خطة لمواجهة احتمال توسّع الحرب، لكنها لم تتلق أي تمويل حتى الآن”.
خطة صحية.. وامكانيات ضئيلة
قلق اللبنانيين الأكبر من مدى قدرة القطاع الصحي الهش أصلا على الاستجابة لحالات الجرحى والقتلى في حال اندلاع حرب، حيث أدت الأزمة الاقتصادية إلى هجرة عدد كبير من الأطباء والممرضين وتراجع مستوى الخدمات والتجهيزات.
وقبل يومين، أطلقت وزارة الصحة اللبنانية خطة طوارئ تهدف إلى تهيئة القطاع الصحي في خمس مجالات رئيسية، وذلك رغم إمكاناتها الضئيلة.
وشرح وزير الصحة فراس الأبيض خلال لقاء اعلامي، هذه المجالات الرئيسية، وهي:
-إطلاق غرفة طوارئ صحية: تعمل على التنسيق بين المستشفيات ومستودعات الأدوية والفرق الصحية المختلفة، إضافة إلى جمع المعلومات والترصد واحتساب الموارد.
-إعداد الكوادر البشرية: تدريب الكوادر في المؤسسات الصحية على استقبال ومعالجة جرحى الحروب والتأكد من وجود خطط طوارئ في المستشفيات، خاصة مع استخدام أسلحة محرمة دولياً.
-الإعداد اللوجستي عبر استقدام مستلزمات خاصة بالحروب وتوزيعها في المناطق، وخاصة تلك المستهدفة والتأكد من وجود مخزون استراتيجي بدءا من الأمصال والأوكسجين والطاقة.
-التنسيق بين الأجهزة والفرق الإسعافية العاملة المعنية بنقل المرضى والاستجابة للطوارئ، وإنشاء مركز متخصص في وزارة الصحة العامة مجهز بوسائل اتصالات متعددة.
-وضع خطة خاصة لمعالجة آثار النزوح، خاصة مع احتمالات تزايد الأعداد وتأمين علاجات وأدوية غسيل الكلى والسرطان والأمراض المزمنة من خلال الفرق والوحدات النقالة.
من جانبها، كشفت مسؤولة غرفة الطوارئ في وزارة الصحة العامة، وحيدة غلاييني، عن برامج التدريب التي يتم تنفيذها في مركز عمليات الطوارئ، بما في ذلك برنامج التدريب على الاستجابة للطوارئ والتعامل مع الفوسفور الأبيض، والذي شمل تدريب 125 مستشفى وحوالي 3092 شخصا، وبرنامج يتعلق بإدارة حوادث الطوارئ داخل المستشفيات، والذي شمل 118 مستشفى، بهدف وضع خطط لإدارة الكوارث الجماعية.
كما أشارت إلى برنامج تدريب على الصحة النفسية للكادر الطبي، والذي شمل 1800 ممرضة و160 طبيبا و58 مستشفى، لتزويدهم بالمهارات الأساسية للتعامل مع الأزمات واستراتيجيات الرعاية الذاتية في أقسام الطوارئ والعناية المركزة.
وقالت إن “خطط المستقبل تتمحور على تدريب عملي على حالات الأمراض المنتشرة في سيناريوهات النزاع مثل العناية بالحروق وإدارة الصدمات، فضلا عن مواصلة التدقيق باستعداد المستشفيات لإدارة حالات الوفيات الجماعية وتفعيل مراكز الحوادث والقيادة”.
وتحدثت لين سبليني، من دائرة الرعاية الصحية الأولية، عن متابعة حركة النزوح واستهلاك الخدمات الصحية من قبل النازحين، كاشفة عن تركيب برادات تعمل على الطاقة الشمسية في جميع مراكز الرعاية بالشراكة مع “اليونيسف”، وتحديد 13 مركز توزيع احتياطي للدواء واللقاحات في كافة المناطق.
في محاولة لمنع انفجار بركان النار في لبنان، تتسارع الجهود بين المساعي الدبلوماسية والحل العسكري. وقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة التزام حزب الله وإسرائيل بالتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701، والعودة الفورية إلى وقف الأعمال القتالية.
أسرار شبارو – الحرة